تمر الأيام تلو الأيام والشهور تتلاحق ويأتي على الناس شهور مفضلة
يزيدوا فيها من العبادة والتقرب إلى الله عز وجل
فضل شهر رجب من القرآن والسنة
ودائما هناك من يتبع الهدي النبوي في عباداته
ويحسن الاتباع ويتحرى كل ما ورد من صحيح السنة
وهناك فريق آخر لا يهتم كثيرا ويتمسك بالموروث التعبدي في الأسرة والعائلة والمجتمع المحيط به
ومن هنا وجب علينا التذكير والتناصح في أمور العبادات وتفضيل الشهور وتخصيصها بعبادات معينة
اختص الله عز وجل أناس و شهور بالفضل والتكريم فاختص من الشهور أربعة حرم
وهم : ذي القعدة وذي الحجة والمحرم ورجب
قال تعالى : { إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ
يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ
ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ }
التوبة36
وللأشهر الحرم مكانةً عظيمة ومنها شهر رجب
لأنه أحد هذه الأشهر الحرم
قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام } .
المائدة 2
أي لا تحلوا محرماته التي أمركم الله بتعظيمها
ونهاكم عن ارتكابها .
وقال تعالى : { فلا تظلموا فيهن أنفسكم }
أي في هذه الأشهر المحرمة .
فينبغي مراعاة حرمة هذه الأشهر لما خصها الله به
من المنزلة والحذر من الوقوع في المعاصي والآثام
تقديرا لما لها من حرمة ،
ولأن المعاصي تعظم بسبب شرف الزمان الذي حرّمه الله ؛ ولذلك حذرنا الله في الآية السابقة
من ظلم النفس فيها مع أنه
- أي ظلم النفس ويشمل المعاصي - يحرم في جميع الشهور .
وقد سميت هذه الأشهر حرماً لأمرين :
1- لتحريم القتال فيها إلا أن يبدأ العدو .
2- لأن حرمة انتهاك المحارم فيها أشد من غيرها .
ولهذا نهانا الله تعالى عن ارتكاب المعاصي في هذه الأشهر فقال : ( فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ )
التوبة/36 ,
مع أن ارتكاب المعصية محرم ومنهي عنه في هذه الأشهر وغيرها , إلا أنه في هذه الأشهر أشد تحريماً .
وأوضحت الأحاديث النبوية أسمائها مفصلة :
قال النبي صلى الله عليه وسلم :
{ إن الزمان قد استدار كهيئته
يوم خلق السماوات والأرض
السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم
ثلاث متواليات ذو القَعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان }
رواه البخاري ومسلم .
قال ابن عباس رضي الله عنهما :
{ خص الله من شهور العام أربعة أشهر
فجعلهن حرماً وعظم حرماتهن
وجعل الذنب فيهن والعمل الصالح والأجر أعظم
ولاشك أن لشهر رجب مكانة عند الله تبارك وتعالى،
فهو أحد الأشهر الحرم التي كرَّمها الله جل ذكره في كتابه
ونهى الناس عن الظلم فيها،
ولايعني هذا أنه يجوز تخصيصه بعبادة معينة
دون غيره من الشهور؛
لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء من ذلك.
وقد قرر العلماء أن تخصيص العبادات بأوقات لم يخصّصها بها الشرع لا يجوز
لأنه لا فضل لأي وقت على وقت آخر
إلا ما فضله الشرع.
والعبادات توقيفية؛
لا يجوز فعل شيء منها إلا إذا ورد دليل من الكتاب وصحيح السنَّة،
ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في تخصيص رجب بعبادة معينة حديث صحيح كما نصَّ على ذلك كبار العلماء
الاتباع الابتداع
يتبع
-2-
هل لـ (رجب) فضل على غيره من الشهور؟:
قال ابن حجر:
"لم يرد في فضل شهر رجب، ولا في صيامه ،
ولا في صيام شيء منه معين،
ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه..
حديث صحيح يصلح للحجة،
وقد سبقني إلى الجزم بذلك الإمام أبو إسماعيل الهروي الحافظ، رويناه عنه بإسناد صحيح،
وكذلك رويناه عن غيره"
وقال أيضاً: "وأما الأحاديث الواردة في فضل رجب ،
أو في فضل صيامه ، أو صيام شيء منه صريحة:
فهي على قسمين: ضعيفة ، وموضوعة
من البدع المحدثة في شهر رجب :
كثرت البدع في شهر الله الحرام رجب
وزاد المسلمون على أحكامه كثيرا من الإضافات
التي ما أنزل الله بها من سلطان
ومنها تخصيصه بالصوم والصلاة والعبادة
على غير عادته في سائر الشهور,
العمرة في رجب , صلاة الرغائب ,
الزكاة , الذبح , إحياء ليلة الإسراء والمعراج .
أولا الصيام
هل خص الرسول صلى الله عليه وسلم رجب بعمرة أو زيادة عبادات أو عبادات مخصوصة له ؟
صوم شهر رجب , لم يثبت في فضل صومه على سبيل الخصوص أو صوم شيء منه حديث صحيح .
ونستطيع القول انه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم تخصيص رجب بشيء من العبادات
لا من الصلاة ولا من الصوم ولا غيره .
ولذلك على المسلم التقي أن يتحرى سنة الرسول
صلى الله عليه وسلم ويتبع هديه في كل عباداته
سواء في رجب أو غيره .
وعليه أن يفعل في رجب ما يفعله في كل الشهور
إذا كان يقيم الليل أو ما تيسر من الليل
فيصلي عادته في شهر رجب
وإذا كان يصوم يوم الاثنين والخميس والأيام البيض
من كل شهر فيصوم عادته في شهر رجب
ولذلك قال العلماء إن تخصيص رجب بعبادة من البدع .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (25/290) :
لا يعتمد أهل العلم على شيء منها ،
" وأما صوم رجب بخصوصه فأحاديثه كلها ضعيفة ،
بل موضوعة ،
وليست من الضعيف الذي يروى في الفضائل ،
بل عامتها من الموضوعات المكذوبات . .
وفي المسند وغيره حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بصوم الأشهر الحرم :
وهي رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم . فهذا في صوم الأربعة جميعا لا من يخصص رجبا "
انتهى باختصار .
قال الحافظ ابن حجر في "تبيين العجب" (ص11) :
" لم يرد في فضل شهر رجب , ولا في صيامه ولا صيام شيء منه معين ,
ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح
يصلح للحجة "
انتهى .
قال ابن القيم رحمه الله :
" كل حديث في ذكر صيام رجب وصلاة بعض الليالي فيه فهو كذب مفترى "
انتهى من "المنار المنيف" (ص96) .
قال الشيخ سيد سابق رحمه الله
في "فقه السنة" (1/383) :
" وصيام رجب ليس له فضل زائد على غيره من الشهور , إلا أنه من الأشهر الحرم ,
ولم يرد في السنة الصحيحة أن للصيام فضيلة بخصوصه ,
وأن ما جاء في ذلك مما لا ينتهض للاحتجاج به "
انتهى .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن صيام يوم السابع والعشرين من رجب وقيام ليلته .
فأجاب :
" صيام اليوم السابع العشرين من رجب وقيام ليلته وتخصيص ذلك بدعة , وكل بدعة ضلالة "
انتهى .
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (20/440) .
ثانيا صلاة الرغائب
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (3/548) :
" الصلاة المعروفة بصلاة الرغائب ,
وهي ثنتا عشرة ركعة تصلى بين المغرب والعشاء ليلة أول جمعة في رجب ,
وصلاة ليلة نصف شعبان مائة ركعة
وهاتان الصلاتان بدعتان ومنكران قبيحتان
ولا يغتر بذكرهما في كتاب قوت القلوب , وإحياء علوم الدين ,
ولا بالحديث المذكور فيهما فإن كل ذلك باطل ،
ولا يغتر ببعض من اشتبه عليه حكمهما من الأئمة
فصنف ورقات في استحبابهما فإنه غالط في ذلك ,
وقد صنف الشيخ الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل المقدسي
كتابا نفيسا في إبطالهما فأحسن فيه وأجاد رحمه الله " انتهى .
وقال النووي – أيضاً - في " شرح مسلم " :
" قاتل الله واضعها ومخترعها , فإنها بدعة منكرة من البدع
التي هي ضلالة وجهالة وفيها منكرات ظاهرة .
وقد صنف جماعة من الأئمة مصنفات نفيسة في تقبيحها وتضليل مصليها ومبتدعها
ودلائل قبحها وبطلانها وتضليل فاعلها أكثر من أن تحصر " انتهى .
وللعلامة نور الدين المقدسي فيها تصنيف حسن سماه
"ردع الراغب عن صلاة الرغائب"
أحاط فيه بغالب كلام المتقدمين والمتأخرين من علماء المذاهب الأربعة .
وسئل ابن حجر الهيتمي رحمه الله : هل تجوز صلاة الرغائب جماعة أم لا ؟
فأجاب : " أما صلاة الرغائب فإنها كالصلاة المعروفة ليلة النصف من شعبان
بدعتان قبيحتان مذمومتان
وحديثهما موضوع فيكره فعلهما فرادى وجماعة " انتهى .
"الفتاوى الفقهية الكبرى" (1/216) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" فأما إنشاء صلاة بعدد مقدر وقراءة مقدرة في وقت معين تصلى جماعة راتبة
كهذه الصلوات المسئول عنها : كصلاة الرغائب في أول جمعة من رجب ،
والألفية في أول رجب ، ونصف شعبان . وليلة سبع وعشرين من شهر رجب ،
وأمثال ذلك فهذا غير مشروع باتفاق أئمة الإسلام ,
كما نص على ذلك العلماء المعتبرون ولا ينشئ مثل هذا إلا جاهل مبتدع ,
وفتح مثل هذا الباب يوجب تغيير شرائع الإسلام ,
وأخذ نصيب من حال الذين شرعوا من الدين ما لم يأذن به الله " انتهى .
وسئل شيخ الإسلام - أيضاً - عنها فقال :
" هذه الصلاة لم يصلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من الصحابة , ولا التابعين , ولا أئمة المسلمين ,
ولا رغب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ,
ولا أحد من السلف , ولا الأئمة ولا ذكروا لهذه الليلة فضيلة تخصها .
والحديث المروي في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم كذب موضوع
باتفاق أهل المعرفة بذلك
ولهذا قال المحققون : إنها مكروهة غير مستحبة " انتهى .
"الفتاوى الكبرى" (2/262)
وقال ابن الحاج المالكي في "المدخل" (1/294) :
" ومن البدع التي أحدثوها في هذا الشهر الكريم (يعني شهر رجب) :
أن أول ليلة جمعة منه يصلون في تلك الليلة في الجوامع , والمساجد صلاة الرغائب ,
ويجتمعون في بعض جوامع الأمصار ومساجدها ويفعلون هذه البدعة
ويظهرونها في مساجد الجماعات بإمام وجماعة كأنها صلاة مشروعة .
وأما مذهب مالك رحمه الله تعالى :
فإن صلاة الرغائب مكروه فعلها ، لأنه لم يكن من فعل من مضى ,
والخير كله في الاتباع لهم رضي الله عنهم " انتهى باختصار .
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (22/262) :
" نص الحنفية والشافعية على أن صلاة الرغائب في أول جمعة من رجب ,
أو في ليلة النصف من شعبان بكيفية مخصوصة , أو بعدد مخصوص من الركعات بدعة منكرة . . .
وقال أبو الفرج بن الجوزي :
صلاة الرغائب موضوعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذب عليه .
قال : وقد ذكروا على بدعيتهما وكراهيتهما عدة وجوه منها :
أن الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الأئمة المجتهدين لم ينقل عنهم هاتان الصلاتان ,
فلو كانتا مشروعتين لما فاتتا السلف , وإنما حدثتا بعد الأربعمائة " انتهى .