دفتر احوال مصرية

امبراطوريـــة النصــب

..جنود تلك الامبراطورية موجودين فى كل زمان ومكان.. فى تزايد مضطرد..!! يتنامون بأسرع مما تتكاثر الجراثيم فى الهواء..والعفن على الخبز.. يكادون يملؤن الدنيا.. مثلما يملأ ورد النيل كل مجارى المياه.. فيسرق منا نبع الحياة..!!
إنهم كالنباتات المتسلقة.. يرتفعون على أكتافنا .. يدوسون على أعناقنا.. يمتصون دمائنا. إنهم يحتالون علينا.. يضحكون منا..يستغلون حاجتنا ..وجهلنا..و ربما سذاجتنا..!!
إنهم تلك الآفات التى تأكل حصاد جهدنا ..وتنهب ثرواتنا. تتطفل علينا بدون أن يكون لها أدنى حق. يفرضون أنفسهم علينا.. بوجوههم الخبيثة.. وابتسامتهم اللزجة .. بكلامهم المعسول.. ونظراتهم الشرهة.. القلقة..!! يعرضون خدماتهم..يستخدمون دهائهم ..ومكرهم.. وخداعهم..وموت ضمائرهم..فى ممارسة نصبهم واحتيالهم.
إن صورهم عديدة..على اختلاف أشكالهم ..وأسمائهم.. و وظائفهم.. ومراتبهم.قد يكون هذا أو ذاك..!! هذه أو تلك..!! قد تكون أنت..؟! أو قد نكون نحن جميعاً..!!
ماذا ياترى دفعنا إلى ذلك..؟! من منا الضحية ..؟! ومن منا الجانى..؟!
..ولأن أعظم النار من مستصغر الشرر..ولأن الكل فى الأثم سواء..سنعرض هنا بعض تلك الصور الموجودة بيننا ..فى حياتنا..التى تتراص جنباً إلى جنب.. لتشكل فى اكتمالها..صورة تلك المأساة التى نحياها.. ولبنات تلك الامبراطورية التى نتحدث عنها...امبراطورية النصب.

صوره 1)

..فى أحد المصالح الحكومية,التى تكتظ بالموظفين ..والمواطنين؛ ذات المبانى الآيلة للسقوط ,والطوابق التى تتعدى الثمانية,-لا يوجد بها بالطبع مصعد يصلح للإستعمال.هذا إن لم يكن له وجود منذ البداية..!!- نجد الآلاف يتدافعون فى البهو الرئيسى.الكل يحمل بين يديه أوراق صفراء بالية,وأخرى حمراء وزرقاء.أوراق مدموغة وأخرى مختومة,بطاقات عائلية وشخصية..وصور فوتوغرافية.الكل يسعى على أمل أن يقضى مصلحته التى جاء من أجلها لعدة أيام متتالية..أو ربما لعدة أشهر..!!
..نرى شيخ كبير ,يرتدى جلباباً وعمامة بيضاء,ويستند على عصا قصيرة ,يحمل فى يده استمارة ما..؟! استوقف أحد الشباب الذين يهرولون فى الردهة الداخلية لأحد الطوابق قائلاً:
- والنبى يابنى..ماتعرفش أروح لمين علشان الورقة دى..؟!
تناول منه الشاب الورقة - وعليه علامات الضيق والتأفف- ثم بدأ فى قراءتها سريعاً ..فقاطعه الشيخ قائلاً بامتنان:
- ربنا يسترك يابنى أنا بقالى ساعه ماحدش راضى يقف لى..ويعرّفنى أروح منين..؟!
أجابه الشاب فى عجلة - بينما يهم بالانصراف-:
- شوف ياحج..أنت تطلع فوق الدور الخامس..وبعدين تحود يمين ..وتمشى على طول.. لحد آخر الطرقة ..وبعدين تدخل تالت أوضه على إيديك الشمال..
و لم ينتظر ليستمع إلى سيل الدعوات التى أطلقها الشيخ. وقفز بضع درجات مهرولاً, ثم استوقف أحد المارة وسأله:
- لو سمحت يا أستاذ ..أشترى ورقة دمغة منين..؟!
أشار له الرجل بيده ؛أن يخرج خارج المصلحة إلى شارع جانبى بجوار المسجد الذى يتوسط الميدان.فانطلق مسرعا ,بينما صعد الرجل السلم,فالتقى ذلك الشيخ عند الطابق الخامس وسأله:
- لو سمحت ياحج..ماتعرفش مكتب شئون العاملين فين..؟!
فأجابه الشيخ بأسى:
- والله يابنى..ماعرف حاجه خالص فى المبنى ده..!! أنا لسه كنت بأسأل واحد من شوية..وصف لى وصفه وبعد كل المشوار ده.. لقيت المكتب إللى بيقول عليه دورة ميه..!!
صعد الرجل طابق آخر ..فوجد أحد الفراشين يستوقفه قائلاً:
- أنت رايح فين يا أستاذ..؟!
فأجابه على الفور:
- أنا كنت بأدور على مكتب شئون العاملين..؟!
سأله العامل .وقد بان عليه الإهتمام -المبالغ فيه- قائلاً:
- ليه..؟! خير.. كفانا الشر..!!
أجابه مبتسماً:
- لا..!! دا موضوع بسيط محتاج أمضاء على طلب أجازه ليا..
هتف العامل بانزعاج:
- وأنت فاكر الموضوع ده كده بالساهل..؟! دا لازم تقدم طلب عليه ورقة دمغة..وإجراءت وإمضاءات يامه..!!
زفر الرجل فى ضيق:
- يعنى لسه هنزل السلم ده كله تانى ..علشان أجيب ورقة دمغة..؟!
أجابه العامل مبتسماً فى خبث:
- ماتحملش هم يا أستاذ..!! أنا هأخلص لك الموضوع كله فى ثوانى.. وأنت قاعد هنا على الكرسى..أستريح أنت بس..أجيب لحضرتك ..كوباية شاى ولا لمون..؟!

اعتذر الرجل قائلاً:
- لأ ..متشكر..مالوش لزوم..أصل أنا مستعجل وجاى من سفر بعيد..!!
ففرك يديه قائلاً فى سعادة:
- دا أنت حظك حلو أنك قابلتنى النهارده..دا غيرك بييجى مرتين وتلاته ومصلحته مبتقضيش..أصل الموظفين محبكينها شوية وبيعقدوا الأمور قوى..!!
فسأله جزعا:
- أمال أنت هتعمل أيه..؟!
أجابه فى سرعة وبثقة:
- ولا تاخد فى بالك يا بيه..!! بس طلع أنت عشره جنيه أديها للموظف ..وهو هينجز ..!! وورقة الدمغة هاجيبهالك من معايا ..خدمة لوجه الله..وأنت كلك نظر..!!
نظر له الرجل فى ريبة ,متوجساً خيفة.فتنبه العامل لذلك. فأسرع قائلاً:
- إن كنت قلقان ياباشا..اتفضل الورق بتاعك أهوه..وجرب بنفسك..أنا شايفك مش وش بهدلة وحبيت أخدمك كده لوجه الله أى والله..!!علشان تروح تبات فى وسط عيالك وماترجعش تيجى تانى..!! شوف أجرة السفر أد أيه..؟! وبعدين الفلوس إللى هاخدها منك مش علشانى..!! دا أنا هأديها للموظفين إللى ماعندهمش ذمه علشان مايعقدوش الدنيا..!!
بان على الرجل الاقتناع ,فأخرج النقود من حافظته ,وأعطاها إياه..أخرج العامل على الفور طلباً ممهوراً بطوابع الدمغة ,وتنقل بين المكاتب فى خفة. ثم هبط إلى الطابق السفلى ليختم الأجازة, فقابل الشيخ العجوز..الذى سأله بدوره:
- والنبى يابنى ..طلب صرف المعاش ده أقدمه فين..؟!
نظر له نظره فاحصة ماحصة - من أخمص قدميه حتى أعلى عمامته- وقال له بإذدراء :
- ده مش فى المبنى ده خالص..ويستحسن تروح النهارده وتيجى الأسبوع الجاى..أصل الأستاذ عبد الرسول فى أجازة مرضى بقاله شهر ولسه مارجعش..واحتمال يرجع الأسبوع الجاى..؟!
نظر إليه الشيخ ذاهلاً وسأله فى ذلة:
- يعنى مافيش حد يقوم بالشغل بتاعه لما يكون غايب..؟!
أجابه العامل فى ضيق :
- أصله قافل على كل حاجه فى درج مكتبه..وماحدش بيفهم فى شغله إلا هوه..!!
ثم هتف متذمراً:
- وبعدين ..!! ماتعطلنيش يا حج أنت ..وحياة أبوك..!!
ثم قفز درجات السلم مهرولاً.فاصطدم بذلك الشاب.صاح الأخيرقائلا بغضب:
- مش تفتح ياعم أنت..!!
أخذ العامل ينفض عنه التراب قائلاً بتودد:
- أنا أسف يابيه..ماكانش قصدى والله..!!
ثم أخذ يلملم الأوراق التى سقطت منه.فلمح ذلك الشاب طوابع الدمغة على الأوراق. فسأله فى لهفة:
- الدمغة دى أنت جايبها منين..؟!
ابتسم العامل فى رضا وقال فى سرعة:
- أنا تحت أمرك يا بيه..خيير.. كفانا الشر..؟!!
أجابه الشاب بسلامة نية:
- لا دا موضوع بسيط..كده.!! انا كنت عاوز ورقة دمغة علشان الطلب ده..؟!
أخذ العامل منه الطلب, ثم قال له - قبل أن يقرأه -:
- أنت فاكر الموضوع كده بالساهل..!!
سأله الشاب فى لهفة:
- أمال أيه..؟!
أجابه بابتسامة صفراء:
- ماتحملش هم يا أستاذ..!! أنا هاخلص لك الموضوع كله فى ثوانى..بس تعالى معايا..واستريح خالص..تشرب بقه.. شاى ولا لمون..؟!

(صورة 2)

الشارع عالم غريب..!! الكل فيه يسير,من كل حدب وفى كل صوب.لا وقت هناك للتفكير, ولا مجال للتردد..!! وإلا سيدهسك الزحام, أو تدهمك أحدى العربات المسرعة فى جنون..!! كأنها وحدها فى الكون .تطير على عجلات فوق الأرض ,لا تأبه بمن عليها..؟!
..والميدان - هو نقطة التقاء أقطار الدائرة ,ذلك المكان المتسع الذى يتوسط عدة شوارع - ماهو إلا مسرح كبير- مثلما قال يوسف بك وهبى- ..فالممثلون فيه كثر..!! منهم من يرتدى عباءة الشحاذة, يتنكر وراء عصابة تخفى أحدى عينيه السليمتين ,تاركاً الأخرى كى ترى قيمة ما سوف تمنحه من النقود. فينظر لك بإزدراء إذا ما شعر بضأله ماتعطيه برغم مهارته فى التمثيل وجهده الوفير..!! ومنهم من يخفى أحدى ساقيه تحته ,تاركاً الأخرى ممدودة أمامه ليقطع طريق المارة..!! فإما أن تقفز من فوقها كالبهلوان ؛ وإلا تعرقلت بها ,وانكببت على وجهك.أو تؤثر السلامة وتمنحة الإتاوة كى يسمح لك بالمرور..!!
..قد تشاهد من يضع أحد قدمية أو يدية فى الجبس ويرتدى ملابس رثة فى منتهى القذارة مدعياً الفقر- مع أن النظافة لا تكلف مالاً..؟!- أو تجد من تحمل طفلاً رضيعاً فوق رأسها ,تدعى يتمه؛ لتستدر عطفك - برغم ذلك الإحساس المؤكد الذى ينتابك بأنه ليس وليدها.فقد تكون بالفعل تعدت سن الإنجاب منذ سنوات..!!- أو من تحمل بضع وصفات طبية ,لعلاج زوجها من أحد الأمراض المستعصية,الذى يحتاج إلى آلاف الجنيهات- ربما إن كان عندك بعض الثقافة الطبية..لوجدتها روشتة لبعض الأمراض الجلدية أو النسائية..أو بأسماء مختلفة لأشخاص عدة..!!- قد تجد من تدعى أن ابنتها فى المستشفى تضع مولودها السابع.ولا تملك نفقاتها, قد يصادفك الحظ فتعود إلى نفس المكان بعد سنة لتجدها تسألك نفس السؤال- فيما يبدو أن الولادة كانت متعسرة جداً..!!-
بل قد أخذ التسول صور جديدة وعديدة..وتطور مواكبة للعصر..!! قد تجد من يستوقفك.مرتدياً قميصاً ,وبنطلونا ,و رابطة عنق ,وساعة يد قيمة ..!! يخبرك أنه من أحد المناطق النائية, ولا يجد معه أجرة السفر, أو أن حافظته سرقت..!! فتدفع له ماطلب, أوجزء منه وأنت فى غاية الأحراج ,تعتذر له أن ما معك من نقود لا يكفى ..!! فينتزع منك ما تمنحة أياه بتعال, وهو غير راض- يظن أنك تتحايل عليه- فيشعرك بالذنب..!! ولو دفعك فضولك أن تراقبه عن بعد, لوجدته يصنع ما صنع معك مع عشرات غيرك بل المئات- هذا لو أردت أن تقضى باقى يومك فى متابعة هذه الظاهرة- بل ربما لو عدت بعد أسبوع لوجدته لم يسافر بعد..!! – من الواضح أنه قرر أن يجمع ثمن تذكرة الطائرة للسفر للخارج..؟!-
..أما إذا كنت من ميسورى الحال وتملك سيارة فمن المؤكد أنك ستلتقى فجأة بذلك(الكائن) الذى يحمل خرقة بالية, مليئة بالأوساخ. يعمل أمامك بهمة ونشاط .يدعى أنه مسح زجاج سيارتك - فيزيد الطين بلة – ثم يفتح لك باب السيارة قائلاً:
- كله تمام يا باشا..!!
فتحاول اتقاء شره ,وثقل دمه؛ أسكاته بنقود ليس له فيها أى وجه حق..!! وأحيانا عديدة ؛ ما أن توقف سيارتك أسفل أحدى العمارات او أمام أحد المحال ,حتى تنشق الأرض عن ذلك (الكابتن) الذى يرتدى بذلة رياضية,وينتعل قبعة ,ويبتلع صافرة فى فمه - كأنه حكم فى مبارة كرة قدم أو شرطى مرور- يقوم بتنظيم دخول السيارات وخروجها فى أماكن الانتظار العامة..!! بنصائحه وتوجيهاته ؛ التى لولاها ـ لا قدر الله - لاصطدمت سيارتك بالسيارات الأخرى, أو بعمود إنارة ليس له وجود..!! فينال ؛عن ذلك الجهد الجهيد ,وتلك المهنة التى يمتهنها ؛ من لا مهنة له. أجراً عظيماً ؛بلا عمل..!! وهو فى غاية السعادة, من نباهته ,وذكائه ,وفهلوته, مشيراً لك بإبهامه قائلاً:
- كده أوكيه..!!

هناك من يتسول بطريقة مستترة..!! كالباعة المتجولين الذين يفرضون عليك بضائعهم فرضاً. فيلقونها عليك ؛ إذا كنت تركب أحدى الحافلات العامة ,أو حتى سيارتك الخاصة,أو تمشى فى الشارع فى عجلة من أمرك -ومئات الأمور تشغلك غير الهرب من ذاك البائع السمج..!!- و أخيراً لا تجد بداً غير أن تشترى منه بأسعاره المضاعفة.
..قد تجد أيضاً من تحمل بضع آيات قرآنية أو مناديل ورقية.ثم تلقها عليك .لتأتى بعد برهة لتجمعها ثانية ,ومعها ما تكون قد جدت به من النقود. هكذا تبيع نفس البضاعة مئات المرات يومياً..!!
ولكل بائع منطقة نفوذ لا يجوز لأحد غيره أن يتخطاها..!! -وإلا اشتكاه لنقابة المتسولين ..أو أحدث به عاهة مستديمة حقيقية..غير التى يدعيها..!!-
..و ذلك البائع المتجول الذى تجده يطاردك فى كل مكان. وقد اتخذ من المواصلات العامة متجراً يبيع فيه كافة المنتجات.فتجده يحفظ سيناريو واحد يكرره آلاف المرات عن ظهر قلب..!! يبدأ العرض قائلاً:
- معايا شوكلاته حليب ذبيب السته بجنيه..إللى عايز هدايا للواد أو للبت..اتفضلى ياهانم..اتفضل يا بيه..حد تانى عايز السته بجنيه..؟!
بالطبع لم يشتر أى من الركاب منه شيئاً..؟! لكنه يقولها هكذا حتى يسقط فى الشرك أحد الركاب السذج ..!! أو ربما قد يكون أحدهم نائماً ,فيظن أن الكل أشترى .ويغتنم الفرصة..!! ثم يبدأ الفصل الثانى قائلاً:
- طب صلوا على النبى يا أسيادنا..أنا هأقول كلمة أخيرة..وإللى يحب النبى يصلى عليه..أنا لا هأقول سبعه ولا تمانيه ولا تسعه..بعنا العشرة بجنيه..وإللى يحب النبى يصلى عليه..أيوه كمان عشرة بجنيه..أيوه يا باشا عشرة تانى بجنيه..
هنا قد يندفع البعض - بعد أن يقوم بحسبة بسيطة فيجد أنه لن يخسر إلا القليل..!!- ليشترى ذلك البسكويت..وماهى إلا لحظات حتى يقفز البائع خارج الحافلة .ويفاجأ أصحابنا بأنهم قد شربوا المقلب..!! فهذا البسكويت ماهو إلا دقيق متعفن منتهى الصلاحية..!! أما إذا لم يجد من ينخدع به ويقوم بالشراء؛ أو وجد من وقع فى شركه فى مرة سابقة. فيبتسم قائلاً:
- طب بعنا ببلاش..!!
وعندما لا يعره أحد انتباهاً. يهتف ساخراً:
- طيب ماحدش عايز فلوس..؟!
فينتبه الكل فى سرعة على كلمته متخيلين تلك البكوات المغلقة؛ هى رزم من النقود..!! ثم يستيقظون من الحلم سريعاً. تعلو وجوههم ابتسامة حسرة , يتلمزون بأفواههم ناعين سوء حظهم.

(صورة 3)

السوق..هو مكان البيع والإبتياع؛ ذاك المكان الذى تباع فيه البضائع والمتاع.حيث يمكن لكل شئ أن يباع..!! كلمة السوق تطورت عبر العصور, فأصبح هناك سوقاً للأوراق المالية والسندات فيما يسمى بالبورصة.وهناك السوق المشتركة مابين الدول وبعضها ,ونظام التسويق العالمى فيما يدعى بالعولمة.
..و التجارة فى حد ذاتها حلال ومشروعة..!! أما ما يطرأ عليها من غش وتحايل واحتيال. يندرج تحت دائرة النصب ويجعلها مشبوهة..!!, وليس نوعاً من أنواع الكسب.هنا سنرسم صورة لما قد يؤول إلية الحال ..فى حال من الأحوال..ونضرب لذلك هذا المثال.
..أحد المحال التجارية فى سوق شعبية كان يملكه رحمة الله عليه الحاج (شكرى عبد اللطيف)الذى كان من أكثر تجار الخضروات والفاكهة؛ أمانة ونزاهة وإيماناً . دائماً ما كان ينصح ولدية (حسن)و(حسين) بالأمانة فى البيع والشراء ؛ أن هناك خيط رفيع فى التجارة ما بين الحلال والحرام عليهم ألا يقطعوه . فالحلال بيّن والحرام بيّن. وليبتعدوا عن الأمور المشبهات..!! و حينما توفاه الله – طيب الله ثراه- ورث ولداه ذاك المحل فاقتسماه ,وصنعا حاجزاً خشبيا يفصل بينهما. أخذ الأخ الأكبر (حسن) تجارة الخضروات, بينما طمع الأصغر(حسين) فى تجارة الفاكهة -لأنها تدر عائداً أكبر..!!- ورث (حسن) عن أبيه كل صفاته الحميده ؛ فيراعى ضميره فى تجارته.كما عرف عنه أمانته.أما (حسين) فكان على النقيض من أخيه؛ يغش الموازين فيضعها مائلة, أو يضع أحد الثمار الغير ناضجه بأسفلها, ولا يطفف الميزان أبدا..!! يقضى الليل ساهراً فى انتقاء الثمار الجيدة فيضعها أعلى الأقفاص؛ والمعطوبة الخربة التى تكاد رائحتها تزكم الأنوف فى أسفلها..!! يبيع بأعلى الأسعار.فإذا تزمر المشترى,أخذ يحلف الأيمان الكذاب بكل الأديان أن بضاعته لا يوجد لها مثيل فى السوق.بل وصل به الأمر أنه يغالط الزبائن فى النقود,فيستبق منها بعضاً لنفسه.حتى أنه لم يرتدع عندما تحدث معه أخوه (حسن) محذراً:
- يا أخويا أنا خايف عليك من السكة إللى أنت ماشى فيها..؟!
فأجابه قائلا:
- يا عم ..دى تجارة..والتجارة شطارة..لازم شوية فهلوة..علشان تضحك على الزبون..وتبيع له كل البضاعة..وألا انت بتحب الخسارة..؟!!
فأجابه (حسن):
- لكن التجارة مكسب وخسارة ..والمكسب لازم يكون حلال..دا الحلال مافيش أحسن منه..!!
فقاطعه قائلاً:
- خليك أنت محلك سر..!! والناس حوالينا اغتنت وبنت عمارات..وعندهم بدل المحل الكحيان ..ده عشر محلات..!!
أجابه أخوه:
- القناعة كنز لا يفنى..والدنيا لله..ويا بخت من رضا بقليلة وشكر الله على نعمته..وفاز فى آخرته بجنته
فضحك (حسين) ساخراً:
- خليلك أنت الآخرة..وسيبلى أنا الدنيا يا سيدى..!!

استمر الحال على ما هو عليه..فظل (حسن) كما هو يبيع الخضر- بما يرضى الله- أما أخوه (حسين) ففتح محل للبقالة وآخر للملابس . يستخدم دهائه لمضاعفة مكاسبه..!! فكان يغش الشاى بنشارة الخشب , ويضيف الماء إلى اللبن. يحتكر البضائع ليبيعها بأعلى من سعرها, و يبيع الأخرى بعد انتهاء تاريخ صلاحيتها - بعدما يزور أختامها- ومثلما صنع فى محل البقالة ؛ كان فى محل الملابس.أخذ يبيع الملابس المحلية كما لو أنها مستوردة, يجمع الأقمشة ذات الجودة الرديئة والمعيبة؛ فيشتريها باسعار زهيدة, ثم يبيعها على أنها درجة أولى.ومثلما كان يسرق فى الميزان أخذ يختصر فى الأمتار.
..وشب ولداه على ذلك فمن شابه أباه ما ظلم..بينما ربى (حسن) بناته الثلاث على القناعة فكان ينصحهن قائلاً:
- أيما لحم نبت من حرام..فالنار أولى به..وأعمل لآخرتك قبل دنياك..!!
فنشأن بناته على الفضيلة والشرف والأمانة..وعاشوا مستورى الحال مرتاحى البال.؛لا يملكون الكثيرمن المال لكنهم فى خير حال..أما أولاد (حسين) فأصبحوا من كبار رجال الأعمال. يملكون أموالاً لا تحصى. - بالطبع حصلوا عليها عن طريق استيراد الأطعمة الفاسدة ,وأغذية القطط والكلاب..التى باعوها على أنها لحوم معلبة ..وتاجروا فى البضائع المهربة والممنوعة إلى أن وصل بهم الأمر أنهم تاجروا فى المخدرات..!!-..و فى ذات يوم من الأيام أراد (على) ابن (حسين) الزواج من (رقية) أبنة عمه. فذهب هو و والده- برغم معارضته الشديدة فى بادئ الأمر, لكنه وافق طمعاً فى الحصول على نصف المحل الآخر..!!- بسيارتهم الفارهة إلى محل الخضروات الذى بقى على حاله طوال تلك السنوات رغم ما يتمتع به (حسن) من سمعة طيبة فى السوق ومحبة كل الزبائن . جلس (حسين) على أحد الكراسى واضعاً قدماً على الأخرى؛ ينفث دخان سيجارته قائلاً فى صلف:
- أنا قلت أحنا برضه إخوات..برغم أنك مقاطعنى من زمان..لكن قلت على ابنى أولى ببنت أخويا..وهيا من لحمه ودمه وعلى رأى المثل جحا أولى بلحم توره ..وأحنا برضك يهمنا اننا نستر بناتنا .
ابتسم الحاج (حسن)وأضاء وجهه بالبشر قائلاً:
- يا مرحب بيك يا أخويا والله لك وحشة من زمان ..لكن نعمل أيه لولاد الحرام إللى بعدوك عنى وخلوك مشيت معاهم فى طريق ما يعلم بيه إلا ربنا..؟!
تجهم (حسين) وانتفض واقفاً:
- أنت قصدك أيه..؟! أنت بتتمهزق بيا وألا أيه..!!
قاطعه (حسن) مبتسما فى ود:
- لا والله ..أنا بقالى كتير ماشفتكش وعمر الدم ما يبقى ميه..
لانت ملامح ( حسين) قليلاً و قال:
- قلت أيه فى الموضوع إللى أنا جاى فيه..؟!! أنا مستعد أدفع لك المهر إللى تقول عليه ولو مليون جنيه..ومش عاوزها إلا بشنطة هدومها..
ابتسم (حسن) وقال :
- طول عمرك تاجر..وبتوزن الأمور كويس..
ثم صمت قليلاً و قال فى هدوء:
- لكن البضاعة إللى عندى ماتتاقلش بالمال..ولا كنوز الدنيا كلها تخلينى أفرط فى لحمى..وفيه قرش واحد من مالك مش حلال..!!آسف البيعة دى خسرانة وأنت طول عمرك مابتحبش الخسارة..؟!

صورة 4)

..الجامعة..كلمة جامعة ؛ تشير إلى الكليات والمعاهد الدراسية. ولا تختلف كثيراً عن المدارس كوسيلة تعليمية - فقديماً كان يطلق على الكليات مدارس..!!- اللهم إلا فى المراحل السنية وتطوير الفصول الدراسية والإختلاط بين الجنسين؛ ربما كانت هذه أحد أهم الآفات التى تصيب الفتيان والفتيات , خاصة وهم مهيئون سنياً ونفسياً وعاطفياً لها. هذا إذا لم يكونوا بالطبع محصنين تربوياً ودينياً..!! أو اكتسبوا مناعة من خبرات سابقة..؟!
..الحب هو تلك العاطفة الجياشة التى تفيض من القلب - وإن كان منبعها علمياً هو العقل- الموجهة نحو شخص ما أو أشخاص عدة..؟! فهناك حب الوالدين,والأخوة ,والأبناء ؛ حب الوطن , حب النفس..!!
عموماً وحتى لا أطيل عليكم ؛ فليس هذا ما نحن بصدده الان..؟! لكن مأعنيه هنا هو حب الجنس الآخر. بالأخص فى تلك المرحلة المبكرة من العمر, ذلك الحب الذى قد يتحول إلى درجة ما من درجات النصب , والضحك على العقول ..بعد القلوب..!!
..(منى) و (هدى) صديقتان منذ المرحلة الثانوية. التحقتا سويا بنفس الكلية, دخلا ذلك العالم الجديد بأقدام مرتجفة , وقلوب وجفة , وعيون منبهرة ,وعقول متفتحة. تتطلع إلى كل ماهو جديد..!! إنها المرة الأولى التى يريان فيها كل هذا الكم من الشباب, على هذا القرب..!! هاهم يتحدثون معهم ويسألونهم ..؟! فتنطلق الفرحة مدوية من قلوبهم, فيطلقون العنان لكل تلك المشاعر المحظورة والأحاسيس المكبوته منذ التكوين..!!فتدفعهم الغريزة بكل قوة نحو الآخر..؟!
- أحنا زملا معاكم فى الكلية ..وجينا المحاضرة متأخرين شوية..فياريت تدونا كشكول المحاضرات بتاعكم علشان ننقله..؟
ضحكت (هدى) قائلة:
- أنا والله مافهمت حاجة من المحاضرة..وكنت قاعدة أرسم طول الوقت فى نكت على المحاضر ..أهيه..لو كنت عايزها..؟!
تلعثمت (منى) وأحمر وجهها. ثم مدت يداً مرتعشة قائلة:
- اتفضل المحاضرة أهية.. أنا كاتباها كلها كامله..
نظر إليها(حازم) وكأنه يلحظها لأول مرة..!! فلم تكن على نفس قدر جمال زميلتها -الشقراء ذات الشعر الأصفر الذهبى والعيون العسلية الفاتحة ,التى لفتت انتباهه مذ رآها, فأراد أن يتحجج بدفتر المحاضرات حتى يتمكن من محادثتها ومد أهداب الوصال بينهما- بل كانت على النقيض خمرية اللون, نحيفة القوام ,محجبة .إلا أنه ابتسم ابتسامة باهتة قائلاً:
- شكراً يا آنسه.....؟!
أسرعت (هدى) تجيب عنها قائلة:
- منى..!!وأنا هدى..
أردف قائلاً:
- وأنا حازم..ودا صاحبى عادل..والله دى فرصة سعيدة أننا نكون زملا فى نفس الدفعة..
تفرست (هدى) فى ملامح (حازم) و(عادل) فأعجبت بالأخير ؛ كان أكثر وسامة من صاحبه,ذو بشرة شديدة البياض , مشربة بالحمرة كالأجانب..!!؛ وعينان زرقاوتان -وهى التى كانت طوال عمرها تحب العيون الزرقاء ,وتتمنى لو كانت عينيها كعينيه- فمدت يدها مصافحة وقالت بدلال:
- أهلاً وسهلاً..احتقن وجه (عادل) ونبت العرق على جبينه, وأجابها فى تردد:
- أهلاً..أهلاً..!!
وكانت هذه هى البداية..!!
و...
و...

مرت الأيام, وتوطدت العلاقة بين المجموعة تحت مسماها المستعار – الصداقة - فكان (حازم) يتودد كثيراً إلى (هدى) ؛ التى كانت من جانبها تصده ,لا لشئ سوى لكون صديقتها (منى) تحبه..!! هكذا ..!! ومن أول نظرة..؟! فمنذ اللقاء الأول ؛لم تكف عن الحديث عنه, وعن رقته وظرفه وأفعاله ,التى دائما ما كانت تفسرها على أنها لها..؟! -رغم أنه كان لا يعنيها مطلقاً..!!- بينما كانت (هدى) تميل أكثر إلى زميله (عادل)؛ الذى كان يمنعه خجلة الزائد عن الحد..!! من المبادرة.
..و كان هنالك أيضاً (عم محمود) فراش الكلية . نصير الطلاب,ورسول العشاق. تجده فى كل مكان يهمس فى أذن هذا, يضحك لذاك , يأخذ النقود من تلك, يقف وسط هولاء. فما أن يجد أثنين يجلسان متجاورين على النجيلة الخضراء,إلا واقترب منهما - بلا استئذان - يحمل المياة الغازية أو المناديل الورقية ؛ليحصل على ضريبة الجلوس .وإلا أغرقهما بالمياه- فالنجيلة عهدة حكومية يجب المحافظة عليها وحمايتها وريها باستمرار- أما هو فلا يرتوى أبداً..؟!
..(عم محمود) تجده فى كل مكان..وفى أى زمان..!! فى المحاضرات ؛ يُدخل الطلبة المتأخرين خلسة, أو يتوسل إلى المحاضر فى ذلة و مسكنة – بالطبع بعد أن يكون قد قبض الثمن مقدماً..!!- فى لجان الإمتحانات يحمل المياه, ومن تحتها الأسئلة والإجابات وينقلها ما بين الطلاب والطالبات ,فى الإمتحانات العملية يريك العينات فى اليوم السابق للإمتحان لقاء عشرة جنيهات.كما أنه يخبرك بالدرجات أولاً بأول فى الإمتحانات الشفهية, ويحضر لك النتائج من الكنترول من قبل أن تعلن رسميا..!! بالإختصار (عم محمود) هو أهم شخصية فى الكلية..!! الكل يكن له الحب والعرفان بالجميل رغم أنه لا يكتفى أبداً بالقليل ..!! بل يأخذ الكثير والكثير.حتى دكاترة الكليه لم يسلموا من الخدمات (المحمودية) – نسبة إلى (عم محمود) - فهو يقوم بتوزيع الكتب والملازم الخاصة بهم على الطلبة, والشراء إجبارى, وبأعلى الأسعار؛ وإلا لن تقيد الأسماء فى كشوف الناجحين, وكانوا من الراسبين..!! يوم النتيجة تجد (عم محمود) أول المهنئين باسطاً اليمين قائلاً:
- عايزين الحلاوة بقه..!!
أما إذا كنت من غير الناجحين..لاختفى من أمامك فى غمضة عين..!!
مر العام الأول بنجاح..فنجحت (منى) و(عادل) بتفوق؛ و(هدى) بالكاد؛ أما (حازم) فقد رسب فى أحد المواد- لكنه صعد إلى السنة الثانية - ازداد تعلق (منى) بـ(حازم) - الذى تنبه إلى ذلك - و أراد أن يستثمر هذا الحب إلى صالحه. فجعلها تكتب له كل المحاضرات ,وتساعده فى الإستذكار ,حتى أنها كانت تشترى له الكتب ؛ بل وتغششه فى الإمتحانات..!! فتفتح له كراسة الإجابة ليكتب منها ما يحلو له ,بل هو الذى كان يختار الأسئلة التى تبدأ فى إجابتها..؟! بينما كان (عادل) غارقاً فى حب (هدى) حتى أذنيه.يكتب لها فى الأشعار .ويسهر الليل أرقاً يفكر بها..!! لكنه لم يكن يقدر أن يصارحها بحبه وهو مايزال طالباً فى السنة الثانية..!! فأخذ من هذا الحب الدافع ,كى يجد ويجتهد حتى ينتهى سريعاً من دراسته ,وبتفوق. ليقترب من مراده ,وتصبح هى شريكة حياته ويبنيان معاً مستقبلهما.
أما (هدى) فعلى الرغم من إعجابها بـ (عادل) إلا أنها قابلت أحد المعيدين فى الكلية, فى أحد الدروس الخصوصية- التى أصبحت ظاهرة عادية فى الجامعة مثلها مثل المدارس..!!- فتراءى لها أنه أكثر فائدة؛ فهو يستطيع أن يساعدها فى امتحانات الكلية, ويزلل لها كل الأمور المستعصية. رمت شباكها حوله ,وأخذت تتودد إليه, وتتدلل عليه. إلى أن وقع فى حبائلها .فنالت ما كانت ترمى إليه. وتخطى الجميع تلك السنة بنجاح. برغم أنه كان لكل دوافعه وأهدافه..!!
و..
و..

ثم جاء العام الثالث ,والحال على ماهو عليه مابين (منى) و(حازم) ؛ إلا أنها وصلت فى حبه إلى درجة العبادة. - رغم أنه كان مستهتراً, يلعب بعواطفها البريئة ويستغل سذاجتها..!!- أما (عادل) ,فتشجع أخيراً . ليصارح (هدى) بأمر حبه لها- التى لم تكن فى حاجة إلى هذا التصريح فهى تعرفه بخبرة الأنثى..!!- لكنها تظاهرت بالمفاجأة..؟! وتهربت من الإجابة عليه . فلم يعد لدى (عادل) ما يمكن أن يمنحه لها فى الوقت الراهن. لذا لم ترد أن تضيع وقتها معه, فهى لا تلعب أبداً على الحصان الخاسر..!! وأن كانت لم تصرح له بذلك..!! فهى لا تريد أن تفقده إلى الأبد.- فلعل وعسى قد تحتاجه فى يوم من الأيام., وتجد له فائدة؟! كانت علاقتها بالدكتور (صلاح) -بعدما حصل على الدكتوارة حديثاً-؛ على خير حال, إلا أنها فوجئت به ذات يوم , يطلب منها موعداً لزيارة أهلها فى المنزل لخطبتها,فأسقط فى يدها ..!! فهى لم تكن تتوقع ذلك الأمر ,ولم يكن فى حساباتها أن تتزوج منه..!! فهو دميم الوجه, تملئة البثور ,أسمر البشرة ,أشعث الشعر ,من أصول ريفية ,وأسرة معدمة - يختلف كثيراً عن تلك الصفات التى تحدثت فيها مع زميلاتها عن فتى أحلامها..!!- حاولت أن تتعلل بأنها لا ترغب فى أن تنشغل بالزواج عن الدراسة ,وأنها لا تريد أن تتزوج قبل أن تنهى دراستها. لكنه أصر على خطبتها ,وأن يتم الزواج بعد نهاية هذا العام..!! فخشت أن تغضبه منها. فيترصدها ,ويوصى زملائه ضدها ,فيرسبونها فى الإمتحانات .و وافقت على مضض ؛وإن كانت أرجأت الزيارة إلى الأجازة الصيفية..!!
و..جاء موسم الإمتحانات . ظلت (منى) كعادتها تساعد (حازم) بكل الطرق والوسائل. إلى أن ضبط متلبساً وهو يغش ما كان مكتوباً له على أحد المساطر البيضاء. كما وُجدَ بحوزته أوراقاً مكتوبة - بما يعرف لدى الطلبة (بالبرشام)- فتم عمل محضر غش له , وفصل من الكلية لمدة عامين. كادت (منى) أن تصاب بالإنهيار من أثر تلك المصيبة - فماذا ستفعل والأمور تزداد تعقيداً..!! والطريق أمام حبها صار مسدوداً بالعراقيل..!!
ابتعد (حازم) عنها ,وأصبح يتهرب منها..؟! لكنها فسرت ذلك ؛ أنه قد أصابه الإحباط ,و قررت الوقوف بجانبه إلى النهاية, فعزمت ألا تكمل الإمتحانات حتى لا تزيد الهوة بينهما. وأن تنتظرة حتى يكمل دراسته و تسانده حتى يتخطى محنته. بينما هو لم يعد يجد لوجودها الآن أية فائدة..!!
أما (عادل) و(هدى) فقد نجحا بتفوق ,فحصلت (هدى) على مركز متقدم , يؤهلها أن تعين معيده فيما بعد..!!- ذلك بالطبع إذا حافظت عليه ,بمساعدة الدكتور(صلاح)..؟!- لكنها بالتأكيد كانت لابد من أن تدفع الثمن ؛ نفسها..بقية حياتها ..!!
..حينما عرف (عادل) بأمر زواج (هدى) فى الإجازة الصيفية, تحطم حبه, وانشرخ قلبه ,وضاع أمله الذى كان يصبو إليه .فانقطع عن الكلية ,ولم يدخل الإمتحانات فى السنة النهائية.
و..ذهبت (منى) إلى (حازم) تهنأه برسوبها للمرة الثانية ,وتخبره أنها لن تتخلى عنه أبداً ,و لن تتزوج أحداً غيره ,.و ستنتظره حتى آخر العمر.فسخر منها ..!! وأخبرها أنه لا يستطيع الزواج منها فى الوقت الراهن, أو حتى بعد عشر سنوات..!! فما يزال أمامه مشوار طويل بعد التخرج, والجيش ,والبحث عن وظيفة .ثم من أين له تأسيس بيت الزوجية والشبكة والمهر..؟! فبكت (منى) كما لم تبك طوال عمرها.و أخذت تستعطفه ألا يتركها, فهى لا تتصور الحياة بدونه. أو أن تكون لأحد بعده..!! ثم أرتمت تبكى فى أحضانه. فضمها بقوة إلى صدره ,وأمسك بجسدها الصغير يعتصره ,ويلثم عنقها ,وهى ترتجف من الخوف والنشوة. حتى ذابت بين يديه.واستسلمت لأنامله وسقطت بين براثنه ومنحته آخر ما تملك. بعدها ألقى بها خلف ظهره كورقة مهملة.

صورة (5)

المستشفى..هى دار الاستشفاء. الصحة تاج فوق رؤوس الأصحاء –لا يراه إلا المرضى- الأطباء هم ملائكة الرحمة.

كل هذه الأشياء حقائق مؤكدة - وليست شعارات زائفة..!!- لكن دعونا نفتش عن بعض النماذج المنحرفة والصور المقلوبة .ونضحك من ذلك الاستغلال والاحتيال ,وما لا يمكن أن يخطر لكم ببال..؟!
بادئ ذى بدء..حين يشكو الكل من ضيق الحال. فتجد الطبيب ذو الرسالة السماوية, والأخلاق السامية, والعيون الساهرة على المرضى. يشكو ضيق ذات اليد ,وقلة المال. - كيف يعطى وهو لا يجد من يعطيه, ويقدره حق قدره..؟! أو حتى يشكره على جهده..!! – أم هم يعتبرونه فى مصاف الأنبياء..!! أو حقاً من الملائكة..!! لا يأكل ولا يشرب وليس له زوجة أو أولاد..!! أم أن عليه أن يصبر صبر الأولياء ..رغم كل ما يلاقيه من عناء..!!
منهم من يستطيع..؟! ومنهم من يضيق ذرعاً بالحياة المليئة بالمعاناة .فيبحث عن الكسب السهل, والعيش الرغد- فى بعض الأحيان عن طريق النصب..؟! -
فى الوحدات الريفية ..يجد من يهمس فى أذنيه من موظفى الوحدة المخضرمين - الذين يتقاضون راتباً ؛ لا يزيد عن بضع جنيهات ..!! وحققوا من ورائها الثروات ..؟! يخاف على مورد رزقه الوحيد, وذلك السبيل السلسبيل. من ذاك الطبيب الشاب الغرير , الذى ليس له ظفر ولا ناب ,ويخطو أولى خطواته على الطريق - فيوهمه أنه أوفى صديق , والناصح الأمين . ليعلمه دهاليز ذلك الكنز الثمين - فيكون الضحية ,هم أولائك المرضى المساكين-.
- شوف يا باشا..حكمن العيانين دول ملاعين..!! من أول يوم لازم تمشيهم على الصراط المستقيم..!! وأنا هأنظم لسيادتك كل حاجه ..تيجى الصبح على راحتك.. واليوم اللى مش عاوز تيجى فيه قولى بس وأنا اتصرف ..ولا تحملش أبداً هم..!! مدام خدامك مسعود موجود..!! أنا بقالى هنا خمسة وعشرين سنه ..والأمور ماشيه تمام وعال العال هوا سيادتك لا مؤاخذه منين..؟!
وقبل أن يجيبه. يبادره قائلاً - فى لهفة مصطنعة- :
- يااااه ..ده مشوار كبير أوى عليك يا سعادة البيه..!! دا أنت كفايه تيجى فى الأسبوع مرتين..وأنا هأعمل لك كل حاجه..دانا بادى حقن وأركب محاليل..وأطاهر العيال كمان..أمال دانا خبرة ..!! ولو أى حاجه حصلت ..؟! ولا جالنا تفتيش من المديرية ..!! أبقى اتصل بمعاليك بالتليفون.
..يطير ذلك الطبيب من السعادة . بذلك الذى سيريحه من كل المسؤليات .ويحمل عن كاهله كافة الأعباء- فهو بعد لا يدرى مابنفس مسعود ..؟! – لكن سرعان ما تتكشف له الحقائق يوماً بعد يوم ..!! فذلك الكاتب الأمين يبيع الدواء الحكومى المدعوم إلى الصيدليات..!! ويسدد خاناته فى تذاكر المرضى الوهميين؛ فيكتب ما يحلو له من الدواء والأسماء- حتى أنه يختار بعض أسماء الممثليين ,أو الشخصيات العامة- فمن ذا يفتش وراءه فى السجلات..؟! ثم يضحك على المرضى ببعض أقراص السلفا او الأسبرين. ويستخرج الشهادات لكافة الأغراض..شهادات الميلاد ؛ لمواكبة المدارس ,أو التسنين للزواج . كذلك شهادات الوفيات – فلا أحد يبحث عن أسباب الوفاة - فربما يكون المتوفى؛ ماتزال الدماء تقطر منه, وأصداء الأعيرة النارية فى الهواء.وتقيد الوفاة طبيعية نتيجة سكتة قلبية..!! ناهيك عن الأشياء الأخرى..؟!
ترى من المسؤول ومن الذى سيتحمل المسؤلية..؟! فأما أن يصبح ذاك الطبيب الشاب - الذى مايزال أخضر العود فى مقتبل حياته المهنية .بلا خبرة أو تجربة - شريكاً فى كل هذا؛ ويتم كل ذلك بموافقته ...؟! وتصبح الوحدة الحكومية عيادة خصوصية له..!! أو بدونها. عندها سيجد نفسه محاطاً بمئات الشكاوى ,ومداناً بآلاف التهم.

و..

أما المستشفيات الحكومية؛ فتجدها خالية من الأطباء. الكل مشغول بعياداته الخاصة .فلا يجد المريض من يطببه غير أولائك الأطباء حديثي التخرج قليلي الخبرة- ليصبح هو وحياته حقلاً للتجارب..!!- في المقابل تجد العيادات و المستشفيات الخاصة باهظة التكاليف . يكادون يحصون الأنفاس .ويسعرون الدقائق . يزنون الأشياء بميزان الذهب, و يتاجرون في الأرواح .!!لا يعرفون سوى لغة المادة . فلا مكان فيها للقلوب الرحيمة ,ولا صوت للضمير.
بل حتى قد يصل بهم الأمر؛ أن يتاجروا في الأعضاء, والأجساد بعد الممات..!! فيقبضون ثمنها كي يسلمونها إلى ذويهم . و إلا احتجزوها رهينة عندهم..!!
..على العكس في المستشفيات الحكومية ؛ لا توجد أبداً وفيات..؟! فالأموات عندهم يخرجون دوماً أحياء..!! كي تظل سجلات المستشفى ناصعة بيضاء.
تبدأ فصول تلك المسرحية ..بالكومبارس التقليدي - وهو يرتدى البالطو الأبيض , والنظارة الطبية- يتفحص أحدى الجثث في عنبر المرضى – الذي يمتلئ بالعشرات , ما زالوا في انتظار الموت بفارغ الصبر. ليستريحوا من كل ذاك العناء..!!- في تلك اللحظة, يعدل الطبيب الشاب من وضع نظارته - ليوارى توتره- ثم يحزم أمره قائلاً لأقارب المريض - الذين يحيطونه من كل جانب. إحاطة السوار بالمعصم- :
- يا ريت تروحوا تجيبوا لنا الحقنة دى من الصيدلية..؟! ضروري دلوقتى حالاً..!! فأي تأخير فيه خطورة على حياته.
ينفض الركب سريعاً من حوله. فيذهبون في كل اتجاه , يبحثون عن طوق للنجاة ..!! هنا ينتحي الطبيب جانباً بأكبر الحاضرين سناً, قائلاً في تأثر بالغ:
- البقية في حياتك يا حاج..كلنا لها..!! هييييه دنيا..!! أهه ارتاح من كل اللى كان فيه..؟! وربنا مأردش يعذبه أكتر من كده..!!
تنزل المفاجأة على الرجل كالصاعقة. فينتقل الطبيب على الفور إلى الفصل الثاني المدروس من المسرحية - بل يرتدى عباءة ( يوسف بك وهبي) وتأخذه الجلالة - و يقول بصوت أجش مهدداً ومتوعداً:
- يا حاج أنا مش عاوز أى دوشة أو هيصة..أحسن قسماً عظماً أبلغ الأمن.. و أدخلة المشرحة.. ومايخرجش منها ولا بعد أسبوع ..!!
هنا ينتفض الشيخ المسن رعباً قائلاً في جزع:
- لا والنبى يا بيه ..أبوس أيدك..ماتدخلوش المشرحة..أحنا هنعمل كل إللى تقولنا عليه..!!
يكبح الطبيب سعادته ,فيتجهم فى سرعة ثانية قائلاً:
- خلاص يا حاج أنا هأخدمك.. رغم إن ده ممكن يعرضني للمسؤولية..!! بس أنت لازم تمضيلى هنا على الإقرار ده.
يهتف الرجل في خوف :
- إقرار أيه يا بيه..؟!
فيزجره الطبيب قائلاً في ضيق:
- إقرار بإنك عاوز تعالجه على حسابك الخاص..برغم نصح الأطباء لك ..بعدم فعل ذلك..!!
ينظر الرجل ببله إليه سائلاً:
- أعالجه على حسابي أيه يا بيه..؟! هو أنا لو كان معايا ..كنت جبته هنا من الأول ليه..؟!
نظر إليه الطبيب بدهشة - كمن ينظر إلى معتوه أمامه - فاستطرد الرجل على الفور قائلاً:
- وبعدين أعالجه من أيه..؟! ما خلاص يا بيه.. البركة فيكم قمتم بالواجب..!!
استشاط الطبيب غضباً وقال متذمراً:
- أنت هتقعد تتكلم كتير وإلا أيه..؟! أمضى يلا ..وخلصني..وألا أنت غاوي مشاكل..؟!
أجابه الشيخ باستكانة:
- أنا ببصم يا بيه..!!
فأمسك بيده بتأفف. قائلاً في نفسه:
- أنا مش عارف البلاوى دى بتتحدف علينا منين..؟!
ما هي إلا لحظات ؛ و قام أقارب المريض – سابقاً – بحمله على عجل. ثم هرولوا مسرعين. حتى أن الجثة أخذت في الاهتزاز..!! - فبدت حركة اليدين والقدمين- كما لو أنها تفر هاربة من خوفها من برودة المشرحة ومشارط الطبيب الشرعي..؟!
في النهاية.. يبتسم الطبيب ابتسامة ظفر قميئة, وهو يفرك يديه فرحاً؛ لأنه بذلك سينال رضا الرؤساء .فقد قام بأداء واجبه على أكمل وجه..!! يسدل الستار عن تلك المسرحية الهزلية - التى تعرض بصورة شبه يوميه- وسط بكاء الجماهير.

صورة (6)

المرضى ؛ أو مدعى المرض..ليسوا بأحسن حالاً ,ولا أقل استغلالاً , أو احتيالاً..!! تجد منهم من يتاجرون بالأدوية . فبعضهم يدعى إصابته بأحد الأمراض المستعصية. كى يحصل على أدوية شهرية - يقوم ببيعها إلى الصيدلية..!!- و منهم من يذهب للمستشفى من قبيل التسلية ,أو مصاباً بحالة نفسية , و منهم من يتخذ من المستشفيات الحكومية إقامة دائمة (أكله وقعدة ونومة هنيه)..!! و منهم من يدعى الإصابة للحصول على تقارير طبية ؛ ليرفع بها قضية ما..؟! ومنهم من يتخذ حالته المرضية مهنة موسمية..!! - خاصة فى المستشفيات التعليمية أو الجامعية - فيدخل تلك المستشفيات فى أوقات الإمتحانات..؟!
و إليكم تلك الصورة الكوميدية لأحد الإمتحانات بأحدى الكليات العملية.
..الطلبة والطالبات؛ يوزعون بصورة عشوائية على أسرة المرضى. أحد الطلبة يسأل مريضاً .يرقد وبطنه منتفخ أمامه - كامرأة فى شهرها الأخير, وقد قاربت على وضع توأم من الأطفال- :
- أنت أسمك أيه يا عم..؟!
أجابه الرجل بالصمت المطبق. فتعجب الطالب و سأله:
- أنت ماسمعتنيش ياحاج ولا أيه..؟!
نظر له الرجل نظرة فاحصة ماحصة, ولم يجب..!! تعجب الطالب ثانية. ونظر إلى أحد المراقبين فى الإمتحان فى جزع وهو يضرب أخماساً فى أسداسٍ و يحدث نفسه ( هل أتوا لى بمريض أصم.. وكيف سأستطيع أن أعرف شكواه..؟!وكيف سأشخص حالته..؟! )
عندما لاحظ المراقب توتره الزائد ,والعرق الذى يتفصد منه . اقترب منه ضاحكاً .وقال موجهاً حديثة إلى ذلك الرجل:
- فيه أيه يا عم عبد السلام..؟! أنت مش هتبطل بقه الحركات دى..؟!
ثم نظر للطالب مبتسماً:
- على فكره عم عبد السلام ده راجل شربات.. من أيام لما كنت طالب ..!! وجايز من أول ما فتحوا الكلية..؟!وامتحنت عليه قبل كده..كذا مره..!! يعنى عيان مخضرم وأنت يظهر عليك ماتعرفش النظام..؟! أو هوا حس أنك ممكن ما تدفعلوش فلوس..!!
اندهش الطالب مما يقول..!! لكنه بعدما استوضح الأمر؛ اقترب من المريض صاغراً, ثم وضع -على استحياء- عشرة جنيهات أسفل الوسادة. هنا فقط تحرك ذلك التمثال .وجلس القرفصاء – كالكاتب المصرى- وقال:
- عشرة جنيه أيه يا بيه..؟! مش أقل من خمسين جنيه..!! دا أنت بكره تبقى دكتور أد الدنيا..وتكشف على الناس بالألوفات..وأحنا الغلابة ندفع لكم بالميات..!!
أسقط فى يد الطالب المسكين – فهو لا يملك كل ذلك المبلغ..؟! - وقال متلعثماً:
- طب يا عم الحاج معلش المرادى..أحنا لسه طلبه.. وبنأخد مصروفنا ..!!
تذمر الرجل ,وعاود الصمت من جديد. فأردف الطالب المسكين قائلاً:
- خد الفلوس إللى معايا أهية..!! والباقى أبقى أجيبه لك بعدين..؟!
أجابه الرجل بصوت جهورى – لا يمكن أن يصدر لمريض بحالة متدهورة أبدا..!! - :
- بعدين..!! وأنا بعد كده هأبقى أشوفك فين..؟!
فتوسل إليه الطالب قائلا:
- طيب أنا هاعمل أيه دلوقت..؟!
أشاح بوجهه , وقال فى تعنت :
- اتصرف ..!! إن شاله تستلف من حد من زمايلك..؟!
أجال النظر فيمن حوله, عله يجد أحداً من زملائه ميسور الحال , يمنحه باقى المال. لكنهم لم يكنوا بأحسن منه حالاً ,فقد وجد أحدى زميلاته تخلع سلسلة ذهبية , وتعطيها لأحد المرضى. وآخر يخلع ساعته..!! ومن منهم يحصى نقوده وقد امتقع وجهه ,والدموع تكاد تفر من عينيه..!! بينما المرضى يجمعون الإتاوة ويقتسمون الغنائم. -وكأنه قانون موحد بينهم وتسعيرة واحده..!! - فلم يجد سوى المراقب الذى رأف بحالته ,فأقرضه بعض النقود.
هنا.. وهنا فقط ..!! تكلم (عم عبد السلام) ويالا العجب ..؟! لم يتحدث باللغة العربية بل بالإنجليزية ..!! - وإن كانت تبدو ركيكة بعض الشىء- فقال بكل فخر واعتزاز:
- بلهارزيال هيباتو سبيلنوا مجالى..!!
ثم أخبرة بتوقعاته للأسئلة التى يسأل بها عن حالته كل أستاذ..!! – نظراً لخبرته الطويلة فى الإمتحانات..!! – و أخيراً ابتسم قائلاً:
- بس أبقى افتكرنا بالحلاوة.. لما تنجح يادكتور..!!

مجهود رائع وممتاز شكرا على هذا الجهد

» احوال المصريين
» احوال النساء فى الجنه
» من دفتر طفل