الإيمان بالله تعالى وأثره على الإنسان
ولا شك أن الأصل في العقيدة هو قول الله تعالى: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ؛
وذلك لأن العقيدة مبناها على الأمور الغيبية؛ أي التصديق بها، والجزم
بأنها حق؛ لأن أدلتها قطعية، ولأن من خالف فيها ضعف إيمانه، وضعف اعتقاده،
وكثرت مخالفاته.
الأصل في العقيدة الإيمان بالله
تعالى، الإيمان بأن الله هو خالق الخلق، وهو رب العالمين، وهو مدبر
الخلائق أجمعين، الإيمان بأنه الإله الحق والمعبود، لا معبود بحق غيره،
والإيمان أيضا بأسمائه وصفاته، والإيمان بخبره، وما أخبر به، وكذلك أيضا
الإيمان بالبعث بعد الموت، والجزاء على الأعمال والتطبيق بذلك كله، فمتى
رسخت هذه العقيدة؛ الإيمان بالله واليوم الأخر في القلب على ما جاءت به
النصوص الشرعية فإن العقيدة تكون قوية متينة، يكون لها آثارها.
فإذا
رأيت الذي يتجرأ على المعاصي والمخالفات، ولا يبالي بنصوص الوعيد، ولا
يخاف من عقاب الله تعالى فاعرف أن عقيدته ضعيفة، وكذلك إذا رأيت الذي
يتهاون بالطاعات، ويترك الواجبات، ويتخلف عن الصلوات فأعلم أن عقيدته
ضعيفة؛ إذن كيف تعرف قوي العقيدة؟ تعرفه بقوة إيمانه، وتعرفه بكثرة
عباداته، وبتورعه عما حرم الله، إيمانه بالله تعالى واليوم الآخر يحمله على
أن يواظب على الصلوات، يحمله على أن يفي بالواجبات، إيمانه بالله وباليوم
الآخر يحمله على أن يترك المحرمات، وأن يبتعد عن المخالفات، وألا يرتكب
السيئات والخطيئات، إذا كان كذلك فإنك تعرف قوة إيمانه؛ فترى الرجل مثلا
الذي يسابق إلى المساجد، والذي يكثر من الصدقات، والذي يتورع عن المشتبهات
وعن المحرمات، ويغض بصره عن النظر إلى العورات؛ فتقول هذا إيمانه قوي، هذا
عقيدته راسخة. وترى الرجل الذي يستمع الأغاني، وينظر مثلا إلى
العورات، ويستبيح النظر إلى المحرمات، أو يتعاطى المسكرات أو المخدرات؛
فتقول هذا عقيدته ضعيفة، هذا إيمانه ضعيف؛ لو كان قوي الإيمان لابتعد عن
هذه المحرمات؛ قوي الإيمان وقوي العقيدة يستحضر عقوبة الله تعالى، ويستحضر
نظره دائما.
فمن أسباب رسوخ العقيدة وثباتها: قوة الإيمان بالله تعالى، وأدلة ذلك كثيرة: منها قول الله تعالى:
الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ فالذي يعتقد أن ربه يراه ولا يخفي عليه منه خافية لا يتجرأ على أن يخالف أمر الله، ولا على أن يرتكب ما نهى الله عنه. ومنها قول الله تعالى:
وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا
تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ
تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي
الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ
إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ
أخبر بأنه لا يغيب عنه مثقال ذرة، لا يخفى عليه من أمور عباده خافية، وأنكم
مهما كنتم ومهما تقلبتم فإنه تعالى يطلع عليكم، ويحصي عليكم أعمالكم، فمن
كان يستحضر أن الله تعالى مطلع عليه فكيف يقدم على المعصية؟ وكيف يفعل
الذنب الذي يعرف أن ربه حرمه وأنه قد توعد عليه بالعقوبة؟ إذا حدثته نفسه
بأن يفعل فاحشة تذكر أن الله تعالى حرم هذه الفواحش بقوله تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ؛
فيرجع إلى نفسه، ويقول: ألست ممن آمن بالله؟ ألست ممن أيقن بأن ربه يراه،
فكيف أقدم على هذه الفاحشة، وأنا أعلم أن الله قد حرمها؟ إذا
فعل ذلك فإنه يرتدع عن أن يفعل أية ذنب ولو كان صغيرا يصر عليه؛ بل يحجزه
إيمانه ويقينه عن مثل هذه المحرمات وما أشبهها، في الحديث قوله صلى الله
عليه وسلم: أفضل الإيمان أن تعلم أن الله معك حيثما كنت ؛ يعني تستحضر أن ربك تعالى عالم بك وأنه يراقبك، وأنه يطلع على قلبك، وعلى ما فيه، تتذكر قول الله تعالى:
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ
إذا استحضرت ذلك فلا بد أن تحاسب نفسك، وأن ترتدع عن أية ذنب صغير أو كبير؛
لأنك تعرف أن ربك قد حرم هذه الذنوب، وأنه قد توعد بالعقوبة عليها، فلا
يمكن أن يقدم عليها العاقل الذي يعرف الله تعالى ويعرف عظمته، ويعرف وعده
ووعيده. ظهرت آثار ذلك على أهل الإيمان الصحيح، ذكروا: أن رجلا
خلى بامرأة ليزني بها، فقال لها: أغلقي الأبواب، فلما أغلقت البواب قالت:
بقي باب واحد ما هو؟ قالت: الذي بيننا وبين الله، ارتعد لذلك، وترك هذا؛
لأنه عرف أن الله تعالى لا يستر بصره حجاب، ولا يغلق دونه باب؛ فإنه عالم
بالعباد.
وذكروا: أن رجلا راود امرأة على نفسها في ليلة مظلمة، فقال:
ما يرانا إلا الكواكب فقالت: فأين مكوكبها؟؛ يعني أين الله الذي كوكبها؟
يعني خلقها وسيرها.
وجاء جماعة إلى راعي غنم وطلبوا منه أن يبيع، أو
يعطيهم شاة من غنمه الذي هو يرعاها، فقالوا له: إذا سألك سيدك فقل أكلها
الذئب، فقال ذلك الراعي: فأين الله؟ يعني أنني أكون بذلك قد كذبت، والله
تعالى عالم بكذبي؛ فيكون ذلك من الكذب على الله. استحضر أن ربه سبحانه
سيحاسبه على هذا، وأنه لا يخفى عليه من أمور عباده خافية.
وفي حديث الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة في الغار يقول:
قال أحدهم: اللهم إنه كانت لي ابنة عم أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء،
وإني طلبتها إلى نفسها فأبت، فألمت بها سنة من السنين، فجاءت فأعطيتها مائة
دينار، فلما قعدت بين رجليها قالت: يا عبد الله، اتق الله ولا تفض الخاتم
إلا بحقه
لما قالت له هذه الموعظة عرف أن الله تعالى حرم ذلك عليه؛ فارتعدت فرائصه،
وتاب وترك ما كان أعطاها، وأقلع عن هذا الفعل. هكذا يكون أثر هذا
الاستحضار؛ أثر العقيدة التي رسخت في القلب تمنع أصحابها من أن يتجرءوا على
المعصية.موقع الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن