الانفلات الأمني.. الأزمة والمخرجحزمةمن
التحديات الكبرى تواجه المصريين وثورتهم الملهمة، يتصدَّرها الانفلاتالأمني
المتعمَّد، حين اشتعلت الأرض فجأةً ودون سابق إنذار من تحت أقدامنا،وانتقلت
مظاهر الفوضى والانفلات من مربعات المحدود والوارد والمتوقع إلىمربعات
ملتهبة وكبيرة وغير مسبوقة، ودخل على خط الصدام بعض القرى المصريةالتي اتسمت
بالهدوء لعقود طوال، في صعيد مصرووسط
الدلتا، فضلاً عن البؤر الانفلاتية المبعثرة في ربوع الوطن.
الأزمة الأمنية
بالفعللم يكن لدى
الدولة المصريةمؤسسة
أمنية بالمفهوم الشرطي والقانوني والحقوقي، لكنها كانت مجموعاتأمنية
لحماية منصة الحكم وكبار رجال المال والأعمال، بالفعل تحوَّلت مؤسسةالشرطة من
هيئة ملك للدولة بكل مكوناتها إلى مجموعات أمنية تابعة لجهاتوشخصيات
وتوجهات بعينها دون سواها، فكان الانحراف في الفكر عندما تحوَّلتالشرطة إلى
هيئة فوق الدولة والقانون، وكان التجاوز والانتهاك في السلوكعندما
تحولت أقسام الشرطة ومقار أمن الدولة المنحل إلى سلخانات بشرية،شعارها
العملي: "الداخل مفقود والخارج مولود".. ممارسات أفرزت مناخًا منالكراهية
والاحتقان نال- وبقوة- من النسيج الوطني المصري، وأصبحنا جميعًافي انتظار
صافرة القدر التي تفجّر الأرض، فكانت ثورتنا الرائعة في يوممقصود؛ هو
25 يناير عيد الشرطة المصرية؛ لتصل الرسالة واضحةً وغير مبهمة أنالثورة ضد
النظام وكل أدواته، وفي المقدمة جهاز الشرطة.
من المسئول؟!
بكل وضوح الكل مسئول:
- النظام السابق الساقط.. نزلاء سجن مزرعة طره.. المدين
بإفساد البلاد وقتل وجرح واعتقال عشرات الآلاف من المصريين، قبلوأثناء
وبعد 25 يناير؛ في محاولة لتعطيل المحاكمات وعدم فتح باقي الملفات.
- بقاياالنظام من
فلول أمن الدولة وبعض القيادات النافذة في جهاز الشرطة التيتمارس
التمرد دون إعلان؛ عقابًا للشعب على ثورته، وحفاظًا على مراكزهمومصالحهم.
- بقايا رجال المال والأعمال الذين لم تفتح ملفاتهم بعد في
محاولة لعدم الاستقرار؛ ليظلوا في منطقة الأمان.
- فرق البلطجة.. "الصناعة التي نبتت فيمستنقعات
الاستبداد والفساد والقمع"، والهاربون من السجون والأحكام القضائية
والمطلوبون للعدالة.
- شبكات الفساد والإفساد؛ منتجار
السلاح والمخدرات والآثار والبترول والغاز وأراضي الدولة ومافيا التهريب.
- بعض النخب المصرية التي حوَّلت السجال السياسي المشروع
إلى صراع وصدام مصيري غير مشروع؛ ما زاد الاحتقان وسخونة الأجواء.
- قطاعات كبيرة من الشعب، بالسلبية تارةً، وعدم الالتزام
بالنظم والقوانين تارةً، بل والمشاركة الانفلاتية تارةً أخرى.
- نمط الإدارة والحكم بجناحيه المدني والعسكريالمتباطئ؛
لدرجة تثير القلق والريبة في محاكمات بقايا النظام، واستعادة الأموال المنهوبة ورد
الحقوق المالية والمعنوية إلى أصحابها.
- بعضدول
الاعتدال، خاصةً الملكية التي أرعبها يقظة الشعوب، التي طالما ساندتنظام
الاستبداد والفساد والقمع المصري، وطالما حلمت بقيادة المنطقة بديلاًعن مصر
الكبيرةالقديرة.
- إدارةالمشروع
الصهيوني الخاسر الأكبر من يقظة وثورة شعوب المنطقة وسقوط أنظمةالحماية
والحراسة "راجع تصريحات الكيان الصهيوني عن نظام مبارك: كنزإستراتيجي
لدولة "إسرائيل" وهدية الله لشعب اليهود،
المخرج والمعالجاتالمقترحة
(أ) المدى الآني والعاجل
بهدف بسط الأمن فورًا واستعدادًا
للانتخابات القادمة، ومنها:
- النظر في إبقاء أو إعفاء وزير الداخلية وكبار معاونيه،
خاصةً بعد الأداء السيئ وغير اللائق؛ ماترتب عليه
المزيد من الانفلات الأمني.
- إعادة انتشار القوات المسلحة بصورة مهنية، تضمن بسط
الأمن وفرضالقانون
وانضباط الشارع المصري.
- توقيفمجموعات
البلطجة.. إجراء مؤقت لمدة ستة شهور على الأقل.. المنتشرة فيالشارع
المصري، وهي معلومة علم اليقين لعموم المصريين وللأجهزة الأمنيةوللحاكم
العسكري في جميع المحافظات.
- تشكيل لجان الحماية الشعبية بالتنسيق مع الأجهزة
المعنية.. لجان معلومة الهوية محددة الأهداف والفترة الزمنية.
- تفعيل اللجان الاجتماعية.. لجان الصلح وفض المنازعات؛
لتمتين النسيج الاجتماعي وحماية الوحدة الوطنية.
(ب) المدى القريب "الإنصاف والمصالحة"
- فورية محاكمة قتلة الثوار، والذين تورطوا في قضايا الخطف
والقتل والنهب والتعذيب.
- رد الاعتبار المادي والأدبي لضحايا الممارسات الآثمة
لجهازالشرطة،
خلال العقود الماضية، من كانوا على قيد الحياة، أو من ماتوا أو قتلوا فضلاً عن
شهداء وضحايا ثورة 25 يناير.
تطهير جهاز
الشرطة وبطرق قانونية من بقايا النظام أصحاب الملفات المشبوهة،مع اعتبار الأبعاد
الاجتماعية حفاظًا على أسر رجال الشرطة.
- تهيئة المناخ المصري العام الداعم للوحدة الوطنية بين
عموم المصريين "الشعب والشرطة"، ومتانة النسيج الوطني.
نشر ثقافة
وأخلاقياتالثورة
"العزة والكرامة ورفض الذلة والمهانة"؛ حتى لا يقبلوا الدنيَّة أوسوء
المعاملة مرةً أخرى وأخلاقيات العطاء والتضحيات والخدمات؛ تخفيفًاللأعباء
وتعزيزًا للثقة وبثًّا للأمل.
(ج) إصلاح مؤسسة الشرطة
إعادة
النظر في شروط ومواصفات القبول بالكليات الشرطية؛ لتكون الكفاءةالعلمية
والقدرات العقلية واللياقة البدنية والسلامة الصحية والاستواءالنفسي
والانضباط الخلقي.
- تغيير مناهج الإعداد والتأهيل؛ لتكون العلمية والمهنية
والحرفية واحترام الناس ومساعدتهم ودعمحقوقهم.
تحديد
منظومة القيم الإنسانية والحضارية التي تمثل إستراتيجيات كبرى لمناهج الإعداد
والتأهيل.
- ترسيخ مبدأ الرقابة والمساءلة، وأن الجميع أمام القانون
سواء.. المواطن والشرطي ورئيس الدولة.
- تكريم الفضلاء المميزين من رجالات الجهاز بمختلف رتبهم.
إعادة
النظر في الأوضاع المالية والمادية والمعنوية لأعضاء الجهاز الأمني؛ بما يوفر لهم
حياةً تليق بمستوى المهمة التي يقومون بها
(د) الضمانات المطلوبة
- الارتقاء بالمؤسسة الشرطية ماديًّا وفنيًّا ومهاريًّا
وحقوقيًّا.
- اعتماد منظومة حضارية من الرقابة والمساءلة والشفافية- الكشفالطبي
النفسي الدوري للاطمئنان على الاستواء النفسي، والتخلص الفوري ممن أصابهم جنون
السلطة أو السادية.
- الرقابة الخاصة لإدارة الأمن الوطني، وتطوير إدارات
البحث الجنائي والتحريات وجمع المعلومات.
خلاصة المسألة
مؤسسةالشرطة
تعاني حالة انهيار غير مسبوق، لكنه متوقع؛ لذا علينا إعادة البناءوفق أسسدستورية
وقانونية وحقوقية، بالتزامن مع حتمية وجود رجال القوات المسلحةوالشعب
جنبًا إلى جنب مع الشرطة كمرحلة انتقالية يستكمل فيها البناء،وتؤمَّن
فيها حياة المصريين وممتلكاتهم؛ لأن الأمن أساس الحياة والنهضة
[/center]