أنيس منصور،

موضوع: أنيس منصور، الجمعة نوفمبر 28, 2008 5:24 pm

«مشيناها خطاً كتبت علينا ومن كتبت عليه خطا مشاها» مقولة قد تنطبق إلي حد كبير علي كاتبنا أنيس منصور، لا من حيث معني تغير المصير فقط، الذي قاده من دنيا الفلسفة وبحورها إلي عالم الصحافة والكتابة، ولكن من حيث أيضاً خطواته الكثر التي جاب فيها جنبات العالم، شرقه وغربه، شماله وجنوبه، ناقلاً لنا عادات وتقاليد ومشاهد رأيناها بما رسمته كلماته من صور.
الحديث عن أنيس منصور يأخذك متنقلاً بين الفلسفة التي يعد واحداً من المتعبدين في محرابها، والأدب الذي تنوعت لديه مظاهر الإبداع فيه، والسياسة التي اكتوي بنارها في عصر عبدالناصر، واقترب من مركز صنعها في عهد السادات، بالإضافة إلي صورة الصحفي أنيس منصور الذي اضطرته بداياته الي الكتابة تحت اسم مستعار هو «سيلفانا ماريللي».
في قرية نوب طريف، بمركز السنبلاوين بالمنصورة، كان الميلاد عام ١٩٢٤، لأب كان يعمل مفتشاً زراعياً، و يمتلك من الهيبة وحسن السمعة وحب القراءة ما أورثه لولده أنيس، أو صلاح كما كانوا يدللونه في طفولته.
وكانت أول قاعدة تعلمها الابن من أبيه ألا يقرأ إلا ما يمتعه، فكون ثقافة واسعة، حتي كان موعد الذهاب إلي الكتاب في السابعة فحفظ القرآن الذي أتمه في التاسعة ليلتحق بالمدرسة الابتدائية بالمنصورة وهو يحفظ العديد من أبيات الشعر التي حفظها من مكتبة أبيه، الذي ذهب له ذات يوم في المدرسة واستدعاه ليمتحنه فيما يحفظ من آيات قرآنية وأبيات شعر أمام الناظر والمدرسين، ليجيب مرددًا كل ما سئل فيه، مبهراً معلميه الذين شعروا يومها أنهم أمام طالب مختلف عن أقرانه فيحتل بينهم مكانة كانت تمنعه حتي من ممارسة التمرينات في حصص الألعاب،
والدعوي كما كانوا يقولون: «أنه مجتهد وسيكون له مستقبل، أما زملاؤه فهم طلاب بايظين يحتاجون لتربية». أنيس لم يكن مختلفاً بتفوقه فقط، ولكن اختلافه كان نابعاً في ذات الوقت من انطوائه الذي يصفه بالقول: «لم أكن أعرف إن كان الخوف هو الأصل أو هي الرغبة في الانطواء.. هل أنا خائف ولذلك انعزلت، أو أنا منطوي بطبعي فأصبحت أخاف من أي شكل آخر من أشكال العلاقات الاجتماعية».
و تزيد ظروف الحياة من انطوائية أنيس وحزنه وبخاصة بعد غياب الأب وابتعاده عن الأسرة، لأسباب لا يصرح بها إلي جانب مرض الأم الذي ترك في نفسه الكثير، وليحيا أنيس الصبي في حيرة من حياته التي كان يراها فارغة بلا أب، وباردة بلا عائلة يملأ صخبها البيت وهو ما أغرقه في حالة الاختلاف تلك، إلي حد الإحساس بالنقص.
ويذكر هو في كتابه «عاشوا في حياتي» واقعة عبرت عن مكنوناته في تلك الفترة حينما زار مدرستهم وزير المعارف وقتها دكتور محمد حسنين هيكل باشا، ودخل فصل أنيس وسأل التلاميذ عما يتمنونه لمستقبلهم، تنوعت الإجابات ما بين مهندس، وطبيب، ومحام، ومدرس، وحينما جاء دور أنيس قال: «أتمني أن أكون أدم لأنه بلا أب ولا أم».
وما بين صحبته للشيخ دهليز المغني الكفيف وغنائه معه في الأفراح، ومناقشاته علي كورنيش نيل المنصورة مع الأصدقاء في مختلف قضايا الفكر والكتب، وبين قصة حب لم يمتلك الشجاعة ولا الرغبة في إكمالها، سارت حياة الصبا لأنيس منصور، تتشابك بداخله التساؤلات والمعاني التي غلبت عليها روح الفلسفة التي كان تواقاً لدراستها، حتي كان له ما أراد عندما التحق في العام ١٩٤٣ بكلية الآداب بجامعة القاهرة.
وما بين سقراط، أرسطو، فولتير، نيتشه، كارل ماركس، ديكارت، وبيكون وموسيقي بيتهوفن ومحاضرات دكتور لويس عوض، كانت الدراسة ثم الدراسة ولا شيء غيرها، حتي كان التخرج وبتفوق عام ١٩٤٧، وليغرق في دوامة الحيرة وسؤال واحد يتردد بعنف في رأسه عما سيفعله، وهو ما قال عنه «لابد أن تكون لديك فكرة واضحة - هذا هو الذي كنت أسمعه من كثيرين مع الضغط الشديد علي كلمة «واضحة»، وأنا لا شيء واضح عندي، هل أكمل رسالتي الماجستير والدكتوراه وأكون مدرساً في الجامعة؟ ولكن ماذا لو عجز أبي عن العمل؟ وماذا لو مات؟ وماذا لو طلب مني العمل؟».
وكانت نهاية الحيرة القرار بالعمل في تدريس الفلسفة لطلاب العلم، و الكتابة في الصحافة التي بدأ العمل في بلاطها مترجماً للقصة في جريدة «الأساس»، كما عمل لبعض الوقت في مجلة روزاليوسف وكان يوقع باسم «سيلفانا ماريللي» قبل انتقاله الي جريدة أخبار اليوم التي ظل بها حتي عام ١٩٥٠ ثم كان القرار بترك الأخبار والانتقال للأهرام ولتمنحه الكتابة الصحفية عالماً اخر كان بحاجة إليه بعيداً عن الكتب وجدران الفصول الدراسية.
وإلي جانب الصحافة كان هناك عالم آخر منحه فرصة التعرف علي الدنيا من منظور جديد، كان هذا العالم هو صالون المفكر عباس العقاد، ليستمع لمناقشات ويتابع أفكاراً وقضايا عبرت عن معاناته وحيرته هو وجيله أمام عمالقة الفكر والأدب، وهو ما سجله في كتابه «في صالون العقاد كانت لنا أيام».
وتتوطد العلاقة بين أنيس منصور والعقاد فكراً وإنساناً حتي إنه يصفه بقوله: «عندما كنت مشغولاً بالأستاذ العقاد، لم أكن أقرأ لسواه، لدرجة أنني لم أعرف أن هناك أدباء آخرين غيره في مصر..» بينما وصفه العقاد بقوله: «إنه كاتب مخضرم بين جيلين يجتذب بقلمه ملايين الشباب».
وعلي الرغم من ذلك الإغراق في فكر العقاد وأدبه، فإن أنيساً عرف غيره الكثيرون فمن مصر اقترب من توفيق الحكيم ومصطفي صادق الرافعي وطه حسين، كما ساعده اتقانه للغات كالإيطالية والروسية والإنجليزية والفرنسية في التعرف علي أدباء مثل ألبرتومورافيا، وديستوفسكي، وسومرست موم، وتولوستوي، وسافر أنيس منصور، وجاب العالم وتعرف علي الشعوب وألف الكتب عن رحلاته تلك وكان من أبرزها كتاب «حول العالم في ٢٠٠ يوم»، الذي نال عنه جائزة الدولة التشجيعية عام ١٩٦٣، كما قدم للمكتبة العربية عدداً من الكتابات التي عرضت لموضوعات ما وراء الطبيعة ومن أشهرها «الذين هبطوا من السماء»، «الذين عادوا إلي السماء»، و«لعنة الفراعنة».
وفي عالم الصحافة توثقت علاقته بأهل الفن ونجومه فعرف القمم، ومنهم الموسيقار محمد عبد الوهاب، وعبد الحليم حافظ، والست أم كلثوم، وتربطه بكل منهما حكايات عدة لا حكاية واحدة، ومنها ما قاله عن محاولة عبد الحليم حافظ له بالغناء مرشحاً عبد الوهاب كحكم، وهو ما يحكيه بقوله: ذهبنا لعبد الوهاب أنا وكمال الطويل ومأمون الشناوي وعبدالحليم، فوجدناه جالساً مع فتاة فلاحة يستمع لها وهي تغني، ولم يكن صوتها بالجيد ولكنه كان يردد كلمته الشهيره «يا سلام يا سلام»، فانحنيت علي عبد الحليم وقلت له رأيي فأجابني: إن عبدالوهاب لا يحب إحراج أحد ولهذا يجامل الجميع، وبالطبع لم أستمع لرأي عبد الوهاب في صوتي وإلا كنت قد تسولت لو تركت الأدب والصحافة وتفرغت للغناء.
في عالم السياسة كان لأنيس منصور شأن آخر، علي الرغم من أنه لا يصنف علي أنه أحد كتابها المتخصصين، لاهتمامه بالكتابة الأدبية والفلسفة ،التي لم تنقطع صلته بها، إلي جانب الأسفار، ففي عهد الرئيس جمال عبد الناصر اكتوي أنيس بنار السياسة حينما فصل من رئاسة تحرير مجلة الجيل ومن كلية الآداب بجامعة عين شمس حيث كان يدرس الفلسفة عام ١٩٦١، وكان السبب في فصله مقاله "حمار الشيخ عبد السلام" ودار حول رواية توفيق الحكيم "السلطان الحائر"،
و ذكر فيه أن العز بن عبد السلام كان يضطهد العبيد ويري أنه لا حق لهم في الحرية أو الحكم، ليصدر قرار فصله ومنعه من الكتابة، وليظل عامين بدون عمل أصدر خلالهما كتاباً مترجماً عن جائزة نوبل اسمه «الجائزة». ولعل هذا الموقف وغيره من المواقف كانت السبب وراء تأليف أنيس منصور كتابه «عبدالناصر.. المفتري عليه.. والمفتري علينا» في حقبة الثمانينيات وهو الكتاب الذي هاجم فيه تلك الحقبة الزمنية من حكم مصر واصفاً إياها بالديكتاتورية والخداع.
وفي عهد الرئيس السادات تغير الحال ليقترب أنيس منصور من سدة الحكم، ويصير واحداً من أقرب أصدقاء السادات وكثيراً ما وصف أنيس الرئيس السادات بأنه كان يستمع للأراء المحيطة به حتي لو لم يأخذ بها. ويحكي في كتابه «معني الكلام» أنه كان في نهاية عام ١٩٧٩ ينتظر في مطار أسوان مع نائب الرئيس وقتها حسني مبارك، ووزير الخارجية دكتور بطرس غالي، وصول طائرة شاه إيران الذي لم يجد سوي مصر ملجأ له، وطلب منه بطرس غالي أن ينصح الرئيس السادات في المساء بضرورة بدء الاتصال بالخوميني لأن الشاه قد انتهي،
ويضيف:" ذهبت للرئيس في الموعد المحدد وتحادثنا في الكثير من الأمور ثم سألني عن ردود الفعل، فقلت له إن هناك اجتهادات تري أنه يتحتم علي مصر بدء الاتصال بالخوميني، فقاطعني غاضباً سائلاً عن مصدر تلك الكارثة ولم يدعني أكمل فقد عرف أنه دكتور بطرس غالي فقال: «يخص(بضم الياء) عليك يا بطرس، إنه خائف أن يغتالوه كما اغتالوا عمه».

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

موضوع: رد: أنيس منصور، الأحد يناير 24, 2010 8:54 am

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

» من أقوال أنيس منصور...