بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
القرآن العظيم هو كلام رب العالمين، ومن ابتغى السعادة والأمن في الدارين
لا بد من أن يجعله نصب عينيه،ويسير على هداه في كافة شئونه،فكيف سيكون
الأفراد فاعلين في مجتمعاتهم،وهم تحت ضغوط شديدة تحت مظلة أسرهم،ولا شك أن
العنف الزوجي هو مؤثر قوي، ومقوض هدام للزوجين،ومن ثم الأولاد،
وكذا يؤثر سلباً على كل من له علاقة وارتباط بالزوجين،وحياة الزوجين في
ظلال العنف تصبح عذاباً وألماً وكابوساً يتمنى المظلوم منهما أن يفيق منه،
أو تنتهي حياته تلك بأي صورة،تعريف العنف الأسري،أنه السلوك الذي يصدر من
أحد أفراد الأسرة دون مبرر مقبول, ويلحق ضرراً مادياً أو معنوياً أو
كليهما،بفرد من أفراد الأسرة,وهو يشمل عنف الزوج تجاه زوجته, وعنف الزوجة
تجاه زوجها, وعنف الوالدين تجاه الأولاد وبالعكس،كما أنه يشمل العنف الجسدي
واللفظي والتهديد,العنف الأسري في مجتمعاتها،أن الزوجة هي الضحية الأولى,
وأن الزوج بالتالي هو المعتدي الأول, يأتي بعدها في الترتيب
الأبناء والبنات كضحايا إما للأب أو للأخ الأكبر،يكون مصدر العنف للأقوى،أي
ليس بالضرورة أن يكون الممارس للعنف هو أحد الأبوين, وإنما الأقوى في
الأسرة,ولا نستغرب أن يكون الممارس للعنف هو أحد الوالدين إذا وصل لمرحلة
العجز وكبر السن،وقد يصدر العنف من الزوجة تجاه الزوج، والأم تجاه
أبنائها، والأخت تجاه الأخ ونحو ذلك، ولكن بنسب أقل،أنواع العنف
الأسري،يقصد بالعنف،جميع الممارسات العدوانية الواعية المدعومة بإرادة
وإصرار سواء أكانت مبررة أو غير مبررة ،مثل القسوة في المعاملة،كالضرب ربط
بالحبال،الحبس والحرمان من وجبات الطعام،والنقد والنهر والإذلال والاتهام
بالفشل،والتخويف بالحبس والعزل،والحرمان من قبل الأزواج والتي تتمثل في
حرمانها من أبسط احتياجاتها،وكذا حرمان الأطفال من التعليم والصحة والغذاء
الكافي والمناسب وتشغيلهم في أعمال لاتتناسب ونموهم وقدراتهم وكثيراً
ماتسبب لهم تشوهات جسمية ومعاناة نفسية،الأسباب المؤدية إلى العنف
الأسري،ضعف الوازع الديني،وسوء التربية والنشأة في بيئة عنيفة،غياب ثقافة
الحوار والتشاور داخل الأسرة،سوء الاختيار وعدم التناسب بين الزوجين في
مختلف الجوانب بما فيها الفكرية،ظروف المعيشة الصعبة كالفقر
والبطالة،والآثار المترتبة على العنف الأسري،العُقد النفسية،والأمراض
الجسدية،والإعاقات،تهديد كيان الأسرة،التعثر الدراسي للأطفال، والهروب من
المنزل،أبرز الفئات التي تتعرض للعنف الأسري،
الأطفال،النساء،المعاقين،والمسنين،عنف الأزواج تجاه الزوجات والعكس،العناية
بحسن الاختيار ومراعاة الكفاءة الزوجية،والمعيارالحقيقي للاختيار الصحيح
للزوج أو الزوجة هو تقوى الله،والتي تتعلق بالكفاءة المقبولة شرعاً
وعقلاً،قال ابن كثير(ولرجل مؤمن،ولو كان عبداً حبشياً،خير من مشرك،وإن كان
رئيساً سرياً(أولئك يدعون إلى النار)أي معاشرتهم ومخالطتهم،تبعث على حب
الدنيا واقتنائها وإيثارها على الدار الآخرة، وعاقبة ذلك وخيمة(والله يدعو
إلى الجنة
والمغفرة بإذنه) أي بشرع وما أمر به وما نهى عنه،وأن يحيا المرء مع زوج غير
صالح يؤثر سلبياً على حياته ونفسيته،ومن ثم في سلوكه وتعامله وإحساسه
تجاهه،ومع الأيام تزيد الهوة فيما بينهما مما يثير العنف ويصبح التوافق
مستحيلاً،وأخرج البخاري عن عائشة رضي الله عنها،أن رسول الله عليه الصلاة
والسلام ،جاءها حين أمره الله أن يخير أزواجه قالت،فبدأ بي فقال،إني ذاكر
لك أمراً فلا عليك أن تستعجلي حتى تستأمري أبويك قد علم أن أبوي لم يكونا
يأمراني بفراقه ،فقال،إن الله قال (ياأيها النبي قل لأزواجك إن كنتن الحياة
الدنيا وزينتها)فقلت له، ففي أي هذا استأمر أبوي فإني أريد الله والدار
الآخرة وفعل
أزواج رسول الله عليه الصلاة والسلام مثل ما فعلت،والتقوى وترك
المعاصي،المتأمل في القرآن الكريم،يجد عظيم ارتباط التقوى بالحياة الناجحة
والسعيدة على مستوى الأسرة والمجتمع والأمة،وأعظم ألفة وسكن بين زوجين،هو
الود والسكن والرحمة،قال تعالى(ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً
لتسكنوا
إِليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لاّيات لقوم يتفكرون)الروم،كما
يسكن الإنسان إلى ولده ويحبه محبة نفسه لكونه بضعة منه،فالله عزوجل خلق
حواء من ضلع آدم الأيسر,ولهذا الخلق بهذه الكيفية حكمة عظيمة في جعل المودة
والأنس والرحمة بين الزوجين،وعلاج النشوز بين الزوجين،إذا كان النفور
والنشوز من الزوج،فقد عالجه القرآن الكريم بعيداً عن العنف الذي قد يفعله
الزوج تجاه زوجته في حال نشوزه ذلك والذي قد يبلغ أقصى صور العنف من سباب
وضرب وتنكيل وتقصير في الحقوق،وإذا خافت المرأة أو أحست من زوجها استعلاء
بنفسه منها إلى غيرها,أو أثرة عليها,وارتفاعاً بها عنها,إما
لبغضة وإما لكراهة منه بعض أمور فيها,أو شعرت بانصرافه عنها بوجهه،حينها لا
حرج عليها أن يصلحا بينهما صلحاً،وذلك بأن تضع عنه بعض الواجب لها من حق
عليه,تستعطفه بذلك,وتظهر حرصها وعظيم رعايتها بالعقد الذي بينها وبينه
بالنكاح،ويحد من آثار الجفاء الحاصل
فيما بينهما،وإذا كان النشوز من الزوجة تجاه زوجها،وعظها فإن أنابت وإلا
هجرها في المضجع, فإن استمرت تم تحكيم الحكمين،وإذا كان النشوز والنفور بين
الزوجين،وظهر بين الزوجين شقاق،فلم يفعل الزوج الصفح ولا الفرقة,ولا
المرأة تأدية الحق ولا الفدية,وخرجا إلى مالا يحل قولاً وفعلاً،ابعث حكماً
من
أهله إليه،وحكماً من أهلها إليها,رجلين حرين عدلين,ليستطلع كل واحد من
الحكمين رأي من بعث إليه,إن كانت رغبته في الصلة أو الفرقة, ثم يجتمع
الحكمان فينفذان ما يجتمع عليه رأيهما من الحقوق والواجبات،عدم التزام
الزوجين أحدهما أو كلاهما بآداء الحق الذي عليه تجاه الآخر سبب
للعنف, سواء كانت تلك الحقوق مادية أو معنوية,ولا يمطله به ولا يظهر
الكراهة, بل ببشر وطلاقة, ولا يتبعه أذىً ولا منة،لقوله تعالى(وعاشروهن
بالمعروف)وبيان حقيقة القوامة،أن الله تعالى خلق حواء من آدم,وأن وجودها
الأول كان مستنداً إلى وجود الرجل وفرعاً منه،قال الشنقيطي(وهذا أمر كوني
قدري من الله,فجعل الرجل قائماً عليها وجعلها مستندة إليه في جميع شؤونها
قال تعالى(الرجال قوامون على النساء بما فضل اللَه بعضهم على بعض وبما
أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ
الله)النساء،فالقوامة بيد الرجل وله تأديبها ووعظها للتأديب لا للتشفي
والانتقام منها,وذلك
بتذكيرها بحرمة النشوز, ووجوب طاعتها له في غير معصية, فإن لم يُجدِ ذلك
هجرها في فراشها أو الحديث معها في البيت,ومدة الهجر لا تزيد على ثلاثة
أيام,كما أنه لا يحل للرجل أن يضرب زوجته إن استدعى الأمر ذلك أمام أطفالها
أو غيرهم,ولا يضرب في حال الغضب ولو وقع وجود ما يستدعي ذلك
لكونه والحال هذه سيتجاوز الحد المأذون به،وقال ابن حجر(فيه دلالة على أن
ضربهن مباح في الجملة ويحل ذلك أن يضربها تأديباً إذا رأى منها ما يكره,
فيما يجب عليها فيه طاعته, فإن اكتفى بالتهديد ونحوه كان أفضل,لما في وقوع
ذلك من النفرة المضادة لحسن المعاشرة المطلوبة في الزوجية, إلا إذا كان في
أمر يتعلق بمعصية الله )وكذا الحال بالنسبة للزوجة ينبغي أن تعي حقيقة هذه
القوامة فتحسن التبعل لتحسن الحياة الزوجية،وتنظيم قضية التعدد،التعدد من
الأسباب التي قد تثير العنف في الأسرة على مستوى الزوجين والأولاد في كثير
من صورها,قال ابن كثير(أي إن خفتم من تعداد النساء أن لا تعدلوا بينهن
كما قال تعالى (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم) فمن خاف من
ذلك فليقتصر على واحدة،وقال الطاهر ابن عاشور(وإذا لم يقم تعدد الزوجات على
قاعدة العدل بينهن اختل نظام العائلة, وحدثت الفتن فيها, ونشأ عقوق تعدد
الزوجات أزواجهن, وعقوق الآباء أبنائهم بأذاهم في زوجاتهم وفي
أبنائهم,وصور العنف الناتجة عن التعدد عديدة ولا تخفى, وقد تصل إلى إزهاق
الأنفس, وما ذاك إلا من سوء تصرف من الأزواج أو الزوجات أو الأولاد تجاه
هذه القضية التي إنما شرعت لبناء الأسر وليس لهدمها،والمشاركة الحسية
والمعنوية فيما بينهما،وهذا الجانب مهم في تعزيز العلاقة الزوجية، وكثيراً
ما
يكون الجفاء وبقاء كل من الزوجين في عالمه الخاص،فيصبحان شخصان نعم يعيشان
تحت سقف واحد لكن ما بينهما كما بين السماوات والأرض من شدة الجفاء،ليست
هناك مشاركة حسية أو معنوية،بل قد يكون ما يربطهما فقط هؤلاء الأولاد،ولا
يطيق أحدهما الحديث مع الآخر،والمشاركة المعنوية معدومة،لا
حديث،لا حوار،صمت قاتل،أو كلمة قاتلة،يعيشان معاً ولكن كأنهما يساقان سوقاً
في هذه الحياة علها تمضي وتنتهي بأي صورة كانت،وضبط مشاعر الغيرة والشك
والبغض والكراهية،هذه المشاعر قد تحدث في الحياة الزوجية،فتفسد الحياة فيما
بين الزوجين، فيلجئان حين ذلك للعنف لينفسان عن نفسيهما،ولو تفكر
كل من الزوجين أنه ليس هناك من هو كامل غير الله سبحانه وتعالى، والنقص
حاصل في نفسه قبل شريكه، وأيضاً نظر بعين الرضا للآخر لأحدث ذلك في نفسه
رضا وقبولاً للآخر وزالت مشاعر البغض والكراهية، فإن كره خلقاً أو تصرفاً
ارتضى آخر حتى تتحول هذه الكراهية حباً ومودة،وبالنسبة للغيرة فقد
أمر الله الزوجين بالعفة وحفظ البصر،وعدم مقاربة الزنا ونحو ذلك مما يثير
الغيرة والشك، وإن حصل التعدد ألزم الزوج بالعدل، وكل هذه ضوابط
لحفظ كيان العلاقة الزوجية والحد من ظاهرة العنف الشنيعة التي قد تحدث من
مغبة ذلك،ألا يقف الأزواج وقفة تدبر وتأمل مع قوله تعالى(هن لباس لكم وأنتم
لباس لهن)البقرة.