استيقظ الدكتور (مارك) صباح يوم الأربعاء ، كعادته ليتجه بعد الإفطار فوراً إلى عيادته . كان الدكتور (مارك) يسكن في فلة أنيقة في إحدى ضواحي لندن الراقية . غسل الدكتور (مارك) وجهه و استبدل ملابسه ونزل بخطوات سريعة من على السلم و سار مباشرة إلى غرفة الطعام حيث قابلته زوجته وابنه (جورج) الذي يعمل معه في العيادة .
(( صباح الخير ))
قالتها زوجته السيدة (إيملي) .
رد عليها:
- صباح النور ، لقد استيقظت اليوم مبكراً ، لم أعتد منك هذا من قبل .
ثم استطرد قائلاً:
- كيف حالك يا (جورج) ، تناول طعامك جيداً فاليوم لدينا عمل كثير في العيادة ، و مازال عليك الكثير لتتعلم كيفية إدارة العيادة كما أنه لم يمض على تخرجك من كلية الطب سوى سنتين فقط وخبرتك قليلة جداً في هذا المجال يا بني .
تطلع الدكتور (جورج) في وجه أبيه و على شفتيه ابتسامة باهتة وقال :
-إنك دائماً عجول يا والدي تريدني أن أتعلم كل شيء في عدة دقائق كما لو أني كمبيوتر تخزن فيه بعض البرامج ، كما أنك تعاملني بطريقة تجعلني أشعر بأنني طفل صغير ولست طبيب عظام يعمل في إحدى أفضل العيادات الموجودة في لندن .
ابتسمت (إيملي) لحديث ابنها ولم تعلق عليه و لكنما تحدثت لتغير الموضوع قائلة :
- هيا بسرعة الطعام سيبرد .
فهم الدكتور (مارك) وكذلك ابنه الدكتور (جورج) ما تقصده (إيملي) فشرعا بتناول الطعام ، وران صمت على قاعة الطعام قبل أن يقطع (جورج) هذا الصمت و هو يسأل والده :
- ماذا كان يريد الدكتور (شارل) منك عندما اتصل بك الليلة الماضية؟
أجابه والده الدكتور (مارك) :
- من…تقصد شريكي…. لاشيء مهم إنه يريد كعادته إقناعي ببيع حصتي من العيادة له .
تمتمت (إيملي) :
- أمره غريب هذا الطبيب…طوال اليوم معك في العيادة و يتصل بك كأنما لا يراك أبداً .
ابتسم الدكتور (مارك) و هم بقول شيء لكن ابنه سبقه بسؤاله :
- و ماذا عن ذلك المزارع العجوز (جيمي) الذي يعمل في المزرعة لقد طلبك ليلة أمس أيضاً ، فما كان يريد؟
رمق الدكتور (مارك) ابنه (جورج) بنظرة تعجب قبل أن يجيب :
- لقد طلب مني إعطاءه بعض المال ليشتري به بعض الأزهار و النبات الصغيرة لحديقة العيادة . لكن يبدو أنك أصبحت فضولياً يا (جورج) ، لم تكن كذلك قبلاً ، ما الذي أصابك؟ .
أجابه ابنه وهو يتناول الطعام :
- الأعوام…الأعوام!!! يا أبي تغير من طبع الإنسان فتجعل الأحمق ذكياً والمتكبر متواضع و…
قاطعته أمه بغتة وهي تشير بسبابتها أمام وجهه :
- هيا…لا داع لهذه المحاضرة الطويلة في علم النفس ، تناول طعامك حتى تصحب والدك إلى العيادة ، عليكما ألا تتأخرا أبداً عنها.
تأمل (جورج) أمه قليلاً ثم تابع تناول طعامه ، ولما فرغ هو مع والده من فطورهما استودعا من (إملي) واتجهها خارج الفلة إلى الحديقة الخارجية حيث رآهما مزارع الفلة وهتف:
- هل أنتما ذاهبان إلى العيادة ؟……مع السلامة .
التفت إليه الدكتور (مارك) و رد عليه :
- إلى اللقاء يا (هنري)
و ركبا السيارة ثم غادرا الفلة ، وتوجها إلى العيادة .
دخل جراح القلب الدكتور (شارل) العيادة و هو يمشي بخطوات معتدلة إلى مكتبه ، ثم ألقى نظرة على ساعة يده و التفت إلى الممرضة (ميري) وهو يقول :
- يبدوا أن الدكتور (مارك) قد تأخر هذا اليوم يا (ميري) ، أ ليس كذلك؟ .
أجابته وقد بدا عليها التوتر :
- آه…بلى ، هذا صحيح يا دكتور (شارل) لكنه سيحضر فوراً .
رمقها الدكتور (شارل) بنظرة متعجبة و هي قد بدا عليها التوتر وبيدها شيء ، فسألها :
ما الذي تحمليه في يدك يا (ميري)؟..
نظرت إليه و أجابته بتوتر :
- آه…هذا الشيء…إنه…إنه مقص…لقد احتجته وجئت لمكتبك لآخذ واحد من هذه المقصات الموجودة هنا .
سألها الدكتور (شارل) و هو ينظر إليها نظرة استنكار ؟ .
- غريب…ألا يوجد في المخزن الكثير منها ؟
أجابته بسرعة :
- بلى ، لكن كنت مستعجلة جداً يا دكتور (شارل)…إني متأسفة جداً .
أشاح الدكتور (شارل) بوجهه عنها و هو يقول :
- حسناً ، لا بأس .
ثم انصرفت الممرضة (ميري) و أغلقت باب المكتب خلفها و تطلعت إلى ساعتها فتمتمت :
- هذا صحيح ، الدكتور (مارك) قد تأخر الـ….
وبترت عبارتها عندما سمعت صوت يقول لها :
- صباح الخير يا (ميري) .
التفتت إلى صاحب الصوت ، لقد كان الدكتور (مارك) نفسه ، فاعتدلت و ردت عليه:
- صباح النور ، ما بك يا دكتور (مارك) لقد تأخرت هذا الصباح قليلاً لم أعتد هذا منك .
أجابها وعلى شفتيه إبتسامة عريضة :
- إنه ابني (جورج)!!!لقد ألقى علينا اليوم محاضرة طويلة صباح هذا اليوم .
قالت له :
- الدكتور (شارل) ينتظرك .
أجابها :
- كنت سأتجه إليه الآن .
ثم سار بخطوات سريعة إلى مكتب الدكتور (شارل) شريكه في العيادة وطرق الباب فسمع صوتاً يأذن له بالدخول فدخل و هتف :
- صباح الخير يا دكتور (شارل) ، يبدوا أنك لم تتخلى عن طبعك هذا إنك دائماً تصل إلى العيادة مبكراً جداً .
رمقه الدكتور (شارل) بنظرات باردة وبعد ذلك أجابه :
- هيا لا داع لهذه البالغة ، أنت الذي تصل متأخر .
قهقهة الدكتور (مارك) بصوت مرتفع و هو يقول :
- لا بد أنك طلبتني اليوم من أجل أن تطلب مني بيع حصتي من العيادة لك…ولكن لا تحاول يا دكتور (شارل) فلن أفعل هذا أبداً .
بدا التجهم على وجه الدكتور (شارل) ، ثم أطلق زفرة حارة و ابتسم قائلاً :
- إنك عنيد جداً يا دكتور(مارك) كعادتك ، و لا توجد قوة في الدنيا تجعلك تعدل عن رأيك .
ثم استطرد قائلاً :
- إننا لن تناقش بهذا الموضوع الآن فلدي اليوم عمل كثير فالعيادة غاصة بالمرضى هذا اليوم ، ثم إنني سأخرج اليوم مبكراً فعندي اليوم بعض المشاغل في المنزل .
وقف الدكتور (مارك) من على كرسيه و اتجه ناحية الباب و هو يقول :
- حتى أنا لدي اليوم الكثير من الأعمال بالإضافة إلى أنني سأجري عملية بعد ظهر هذا اليوم و أيضاً علي أن أعلم ابني (جورج) الكثير من الأمور المتعلقة بإدارة العيادة فهو لا يمتلك الخبرة الكافية في هذا المجال .
أجابه الدكتور (شارل) بكل هدوء :
- أعلم ذلك جيداً .
و انصرف الدكتور (مارك) من المكتب وتابعه الدكتور (شارل) بنظراته الصارمة ، ثم لم يلبث أن تحرك من مقعده بسرعة لمتابعة أعماله .
* * *
في الساعة الرابعة عصراً حزم الدكتور (شارل) حقيبته و اتجه إلى الباب المؤدي إلى خارج العيادة ليغادره و بجانبه كان يسير معه الدكتور (جورج) ابن الدكتور (مارك) فقال هذا الأخير :
- هل لديك مشاغل كثيرة يا دكتور (شارل) ؟ فأنت اليوم تغادر العيادة مبكراً !.
أجابه الدكتور (شارل) :
- نعم يا بني ، فأنا مرهق هذا اليوم و لن أ ستطيع مواصلة العمل فلقد بذلت جهداً كبيراً نهار هذا اليوم .
رد عليه الدكتور (جورج) :
- مع السلامة يا دكتور (شارل) ، إلى اللقاء غداً .
قالها و الدكتور (شار) كان قد غادر الباب و اتجه ناحية الموقف المخصص لسيارات العاملين في العيادة .