hالرضا من غير رضا

الرضا المشوب ببعض الاستياء

بينما كان العجوز يقوم بأعمال هامشية في حديقة منزله على مرأى ولكن ليس على مسمع من زوجته وابنه وحفيدته، أخذ يهمهم بصوت مجهد : ما أجمل الماضي، ما أروع الأيام الخوالي! أليس من المفارقات المدهشة أن تكون أي مقارنة بين الماضي والحاضر لصالح الماضي رغم تطور الزمن الحاضر؟! وإذا كان المنطق يقول إن الانجازات الحضارية قابلة للتوريث وتنتقل من جيل إلى جيل، أليس من الغريب أن تتحضر بعض الملل التي كانت متخلفة وتتخلف بعض الملل التي كانت متحضرة؟! هل هناك حلقات تاريخية مفقودة أم أنها نظرية فوضى تاريخية غير خلاقة وغير قابلة لأي تفسير موضوعي؟!
تنهد العجوز ثم غمغم قائلاً: معظم أغنياء الزمن الماضي جمعوا ثرواتهم من الأعمال الشاقة في مجالات الزراعة والصناعة والتجارة أما معظم أغنياء اليوم فقد جمعوا ثرواتهم من المضاربات المالية الوهمية التي أدت في نهاية المطاف إلى نشوب أكبر أزمة اقتصادية في التاريخ البشري!
معظم الأدباء العظام في الآداب العالمية الكبرى مثل أبو الطيب المتنبي في العربية، شيكسبير في الإنجليزية وجوتة في الألمانية حققوا أمجاداً أدبية فذة دون وجود أي تلميع إعلامي أما معظم أدباء الزمن الحاضر فهم ضعيفو البنية الفنية هزيلو الانتاج الأدبي رغم قوة البريق الإعلامي المعاصر!
معظم المخترعين الأفذاذ في الزمن الماضي تمكنوا عبر مجهودات فردية وإمكانات مادية متواضعة من انجاز الاختراعات البشرية الكبرى التي غيرت وجه الحياة على الأرض إلى الأبد مثل القطار، السيارة، الطائرة، الهاتف، الراديو، التلفاز، الكمبيوتر والانترنت، أما معظم مخترعي الزمن الحاضر فتكاد اختراعاتهم تنحصر في إدخال تحسينات على الاختراعات الموجودة بالفعل رغم أنهم يعملون بشكل جماعي وبميزانيات ضخمة!
معظم المغنين والموسيقيين العظماء في كل الدول ينتمون إلى الزمن الماضي رغم عدم تطور الآلات الموسيقية آنذاك أما معظم مغني الزمن الحاضر فيثيرون ضجة كبرى حول لا شيء رغم توفر كل الإمكانات الموسيقية المدهشة! معظم لاعبي كرة القدم في الزمن الماضي كانوا أساطير اللعبة فهناك بيليه ومارادونا وكلاهما قاد بلاده للفوز بكأس العالم بمجهود فردي جبار أما معظم لاعبي الحاضر فهم نجوم اصطناعيون يلعبون مبارة واحدة ويتغيبون عن عشر مباريات بدواعي الدلال الكروي المحض!
تنهد العجوز بحرقة ثم غمغم قائلاً: معظم جميلات الزمن الماضي كن يتمتعن بملامح متفردة وجمال طبيعي أخاذ خلدته لوحات كبار الرسامين العالميين أما معظم جميلات الزمن الحاضر فهن متطابقات الملامح ولا جمال لهن بلا مكياج!
تعب العجوز من المقارنات ثم تساءل قائلاً: إذا كان الأمر كذلك وهو كذلك ألا يحق لنا أن نشعر ببعض الرضا المشوب ببعض الاستياء ثم نردد القول الخليجي المأثور: الروس نامت والعصاعص قامت؟!

الله يعطيك العافية