ماذا تعرف عن إسرائيل؟ الجزء الثانى
اليهود ليس لهم تاريخ واحد المشكلة الرئيسية التي تواجه الباحثين في تاريخ
الجماعات
اليهودية هي عدم وجود أي
وثائق أو شواهد أو أدلة تاريخية عن تاريخ اليهود باستثناء
كتبهم المقدسة
التوراة وأسفار أنبياء
بني إسرائيل، وهو شيء خطير؛ لأنه يعني
ببساطة أن يكون المصدر
الوحيد لتاريخ اليهود هم اليهود أنفسهم، وفارق ضخم بين أن
تعتز كل أمة بتاريخها
وتفتخر به، وبين أن تفرض أمة على العالم كله تاريخها خاصة
عندما يكون بلا أي سند
تاريخي، ولو أخذنا التاريخ الفرعوني كمثال لوجدنا أن كل
المعلومات التي بين
أيدينا اليوم عن ملوك الفراعنة وحضارتهم وحياتهم عرفناها
مما تركوه لنا مكتوباً
على أوراق البردي أو منقوشاً على جدران المعابد والمقابر،
والتي يستطيع الباحثون أن
يطّلعوا عليها، في حين أن كتب اليهود المقدسة -التي
تدور شكوك تاريخية كثيرة
حول حقيقة مؤلفيها والفترة التي كتبت فيها- هي
المصدر الرئيسي الوحيد
تقريباً لتاريخ اليهود. والحقيقة أن تصميم اليهود على استخدام
وقائع حدثت وانتهت منذ
آلاف السنين للحصول على حقوق في عالم اليوم يبدو في
حد ذاته أمراً بالغ السخف
والعبثية كأن يطالب اليونان بحقهم في الإسكندرية باعتبارهم من
أنشأها، أو حتى أن يطالب
المصريون بذهبهم الذي سرقه اليهود منهم قبل
خروجهم من مصر أيام
الفراعنة!
وبالمناسبة فمن الضروري أن نتوخى الحذر ونحن نقول (تاريخ اليهود) التي تعني
أن اليهود كيان واحد لهم
تاريخ مشترك منذ القدم وإلى الآن، وهي أحد المزاعم
الصهيونية، بينما الحقيقة
أن اليهود مثلهم كمثل أصحاب أي دين ليس لهم تاريخ
واحد، فتاريخ يهود العراق
يختلف قطعاً عن تاريخ يهود الصين، وتاريخ يهود أوروبا
الشرقية لا علاقة له بيهود
الحبشة، وهكذا، وبالتالي فالأصح أن نستخدم -كما يقول
الدكتور عبد الوهاب
المسيري- تعبير تاريخ الجماعات اليهودية
إسرائيل وأبناؤه
ينتسب اليهود في الأساس إلى نبي الله إبراهيم عليه السلام، الذي خرج بمن
آمن
من قومه من العراق إلى
الشام، وأنجب إبراهيم من سارة زوجته العراقية ولداً أسماه إسحق،
الذي أنجب يعقوب
(إسرائيل)، وأنجب يعقوب 12 ابناً هم الأسباط الذين يزعم يهود
العالم اليوم أنهم
ينحدرون من ذريتهم، وأشهر أبناء يعقوب هو نبي الله يوسف الذي
وصل إلى مصر بعد أن
حاول إخوته أن يتخلصوا منه، وكان وصول يوسف إلى
مصر -وتدرّجه في
المناصب إلى أن أصبح "عزيز مصر" حسب قصته الشهيرة- في فترة
حكم الهكسوس (الأسرتين
15 و16)، وعندما حلت بالشام موجات قحط متتالية،
لم يكن أمام أهلها إلا
اللجوء إلى مصر، وهكذا نزح يعقوب مع أبنائه (الأسباط) إلى مصر،
ولم تغادرها ذريتهم
إلا بعد سنين طوال -تذكر التوراة أنها 210 سنة- عندما تغيرت
الظروف السياسية في
مصر، وتغيرت معاملة المصريين لليهود، فقد كان ولاء اليهود لمصر
موضع شك دائم من
الفراعنة، والتوراة نفسها تذكر أن فرعون قال لمساعديه
"تعالوا ندبر لهم -أي
اليهود- أمراً حتى لا يكثُروا، فيكون أنهم إذا وقعت حرب ينضمون
إلى أعدائنا ويحاربوننا
ثم يخرجون من البلاد"، وهكذا ذاق اليهود صنوف الذل والهوان
في مصر، مما دفعهم
للخروج منها يقودهم نبي الله موسى، ويقال إن خروج اليهود من مصر
كان في فترة حكم
مرنبتاح بن رمسيس الثاني (الأسرة 19)، وهي معلومة غير مؤكدة
تاريخياً، أما ما
تؤكده التوراة فهو أن اليهود قد سرقوا ذهب جيرانهم من المصريين قبل
خروجهم، فقد أمر الرب
موسى أن: "تكلّم في مسامع الشعب أن يطلب كل رجل من صاحبه
وكل امرأة من صاحبتها
أمتعة فضة وأمتعة ذهب"، وهو ما يبرره مفسرو التوراة بأنها
غنائم مشروعة، ولأن
المصريين الذين استعبدوا بني إسرائيل يرمزون إلى إبليس، فيكون
تفسير ذلك أن بني آدم
لا يخرجون بعد صراعهم مع الشيطان فارغين، بل يخرج الإنسان
محملاً بغنائم من
البركة والإيمان!
عصر القضاة
وبعد تِيهٍ استمر 40 سنة في صحراء سيناء نزلت فيها الوصايا العشر، واكتملت
الشرائع
اليهودية، ومات فيها
تقريباً كل الجيل الذي خرج من مصر مع موسى، وصل اليهود أخيراً
إلى أرض كنعان (فلسطين)
ودخلوها يقودهم نبيهم يوشع بن نون بعد قتال عنيف مع
أهلها من القبائل
العربية، ونلاحظ هنا أن موسى قد توفي قبل أن يدخل إلى أرض كنعان،
كما تجدر الإشارة إلى
أن اليهود الذين احتلوا فلسطين مع يوشع بن نون كانوا في حقيقة الأمر
أشبه بقبائل بدوية
متفرقة، كل قبيلة (سبط) لها أمير يحكمها، وتسمى الفترة التي تلت دخول
يوشع بن نون إلى الأرض
الموعودة واستمرت نحو 450 سنة بعصر القضاة، والقضاة
هم حكام كان ينتخبهم
شيوخ الأسباط ليتولوا الحكم والفصل في المسائل الهامة في حين
يتولى شيوخ الأسباط
الشئون الداخلية، ومن أشهر القضاة "شمشون" صاحب القصة
الأسطورية الشهيرة عن
قوته الخارقة، ولأن شعر رأسه هو سر قوته، فلما استطاع
الفلسطينيون إغواءه عن
طريق الغانية الفلسطينية دليلة التي استغلت نومه عندها
وقصّت شعره فزالت قوته
الخارقة! وهكذا تلخص التوراة الصراع الإسرائيلي
الفلسطيني منذ آلاف
السنين!
ملوك بني إسرائيل
أهم ما يميز عصر القضاة هو أنه لم تقُم فيه دولة حقيقية بالمعنى المعروف،
فقد ظل
اليهود على حالتهم التي
دخلوا بها أرض كنعان مع يوشع بن نون، مجرد قبائل بدوية تعيش
جنباً إلى جنب مع
أصحاب الأرض الأصليين من قبائل الكنعانيين والفلسطينيين، كما تميز
عصر القضاة بالقسوة
والغلظة وحروب العصابات، وكعادة الحروب القبلية، تبادل كل من
اليهود والأمم الأخرى
مناطق السيطرة والنفوذ في أرض كنعان، واستمر الحال على ذلك
إلى أن طلب اليهود من
صموئيل آخر قضاتهم -وهو نبي في نفس الوقت- أن يمسح (أي ينصّب) لهم
ملكاً كباقي الأمم، ففي
ذلك العصر كانت مهمة النبي قيادة اليهود روحياً فقط، في حين كانت
أمور الحكم والسياسة
مسئولية الملك، فاختار النبي صموئيل لهم شاؤل
(الذي يسمى في القرآن
الكريم طالوت)
ليكون ملكاً على بني
إسرائيل، وعلى ذلك يعتبر صموئيل هو حلقة الوصل بين عصر
القضاة وعصر الملوك.
وشاؤل هو الملك الذي قاد بني إسرائيل من نصر إلى نصر إلى
أن هزمه الفلسطينيون في
النهاية، فانتحر خوفاً من أن يأسره الفلسطينيون كما تذكر
التوراة، ومع أن شاؤل
كان أول ملوك اليهود إلا أنه لم يلتفت لتأسيس الدولة؛ لأن فترة
حكمه كلها كانت حروباً
متصلة، ولم تقم دولة حقيقية لبني إسرائيل في فلسطين إلا عندما
تولى الملك نبي الله
داود